قانون الالتزامات والعقود مبدأ سلطان الارادة وأثره في تكوين العقد

مبدأ سلطان الارادة وأثره في تكوين العقد

   يثير هذا الموضوع السؤال الرئيسي التالي : هل للارادة قوة ذاتية في تكوين العقود وترتيب أثارها القانونية أم أنها في حاجة الى بلوغ هذا الهدف؟ 
وقصد الإجابة على هذا السؤال، فإننا سنعرض لهذا المبدأ التطورات التي عرفها وموقف قانون الالتزامات و العقود المغربي .

  المقصود بمبدأ سلطان الإراده 

يقصد بهذا المبدأ قدرة الإرادة على إنشاء الالتزام وذلك من منطلق أن العقد يستمد قوته من هذه الإرادة و ليس من إقرار القانون لها، فالفرد حر في التعاقد أو عدم التعاقد و إذا قيد نفسه بالموافقة على العقد فإن ذلك يجب أن يكون على إقتناع و اختیار تأمين، و قد عبر الفقيه GONOT في أطروحته حول مبدأ سلطان الإرادة في القانون المدني عن هذه الفكرة بما يلي "أنا لست ملزما بأي تصرف قانوني إلا إذا رغبت فيه وفي الوقت الذي أريد و بالكيفية التي أحددها" وهده الحرية التي نادي بها أنصار هذا المبدأ ليست مطلقة و إنها هي مقيدة باحترام النظام العام والآداب العامة وعدم التعسف في حقوق الآخرين.

 الصيرورة التاريخية لمبدا سلطان الإرادة 

لقد ظهر هذا المبدأ في المراحل الموالية للقانون الروماني، خلال العقود الرومانية الأولى كانت العقود شكلية تقوم وتنتج آثارها إذا تمت وفق الإجراءت الشكلية المفروضة من حركات وإشارات و عبارات وكتابة. 
لكن في عصور متاخرة اعتد الرومان بالرضائية بالنسبة لبعض العقود وهي البيع والإيجار والشركة والوكالة .

 وبخلاف القانون الروماني الذي لم يعتمد سلطان الإرادة كمبدأ عام، فقد أخذت الشريعة الإسلامية في عهودها الأولى بهذا المبدأ معتبرة التراضي أساس إبرام العقود، فقد جاء في القرآن الكريم: " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم : سورة النساء الآية20 " كما روی عن النبي (ص) قوله: لايحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه". وأجمع فقهاء الشريعة الاسلامية على مبدأ رضائية التعاقد معتبرين أن العبرة للمقاصد والمعاني لا للألفاض والمباني .

 وفي العهد الكنيسي تم التخلص نسبيا من الشكلية وأصبح العقد مرتبطا باحترام مبادئ ذات طابع ديني، كاحترام الوفاء بالعهد، أداء الثمن العادل و أن عدم التنفيذ يؤدي إلى الوقوع في الخطيئة. وبالرغم من اختلاط الإرادة بهذه المفاهيم ذات الطابع الديني إلا أن الثابت في هذا العهد هو أن إرادة الأطراف كان لها السلطان الأكبر في تحديد مضمون العقد و كيفية تنفيذه و هذا هو جوهر مبدا سلطان الإرادة .

ثم أخذ هذا المبدأ يتقوى تدريجيا إلى أن ساد الحياة القانونية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر نتيجة لانتشار المذهب الفردي وقوته، واستنادا إلى النتائج التي توصل إليها زعماء المدارس الاقتصادية والاجتماعية السياسية قبل إ اندلاع الثورة الفرنسية لسنة 1789 فالفيزيوقراطيون توصلوا في ميدان الاقتصاد إلى إقرار مجموعة من المبادئ الاقتصادية ذات الطابع الحر كمبدأ : دعه يعمل دعه يمر، أما بالنسبة لعلماء الاجتماع فقد توصلوا إلى تقديس حرية الفرد عن طريق تخويله إمكانات واسعة للتعايش في المجتمع كحقه المطلق في اكتساب الملكية و ضبط حقوق الجوار بينه وبين غيره. 

أما بالنسبة لعلماء السياسة فإنهم وجدوا في حرية الفرد متنفسا للتعبير عن وجوده داخل المجتمع وقد تأتى له ذلك عن طريق المساهمة في إبرام العقد الاجتماعي بينه و بين الحاكم، وما إرادة هذا الفرد إلا جزءا من الإرادة الجماعية للأمة التي انبثق عنها مثل هذا العقد الاجتماعي
 ونتيجة لتضافر هذه العوامل كلها أخد مبدأ سلطان الإدارة مكانه الثابت داخل التقنيات المدنية التي ظهرت إبان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

 والنتائج التي ترتبت على الأخذ بمبدأ سلطان الإرادة هي:

أ- حرية التعاقد : 
الأفراد أحرار في أن ينشأوا ما شاءوا من أنواع العقود وأن يضمونها الشروط التي يرتضونها، فلا يجوز للقانون أن يفرض قيودا على حرية التعاقد إلا استثناء ولحماية النظام العام والآداب. 

ب- احترام مشيئة المتعاقدين: 
فالالتزامات الناشئة عن العقد يجب أن تنفد كما أرادها العاقدان، والقاضي وهو يفسر العقد، يقتصر دوره على البحث عن حقيقته هذه الإرادة، كما أن المشرع لا يملك التدخل لتعديل ما أراده الطرفان. 
وقد تعرض مبدأ سلطان الإدارة لنقد شديد نتيجة لمغالاة بعد أنصاره، فأنكر البعض الفكرة الأساسية التي يقوم عليها المبدأ، وهي أن العقد يستمد قوته الملزمة من الإرادة بما لها من سلطان ذاتي، و يرى هؤلاء أن العقد يستمد قوته الملزمة من القانون، تتم إصدار عدة تشريعات ذات صبغة آمرة تهدف إلى حماية النظام العام وحسن الأدب و المصالح العامة. 
ويرجع السبب في هذا التطور إلى سقوط الفردية والنظرية الاجتماعية للقوانين التي أصبح يأخذ بها المشرع، وهي تقتضي تدخل الدولة في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بغية ضمان توازن حقيقي بين مصالح أطراف العلاقة.

ونتيجة لهذه المتغيرات المعاصرة يتجه العمل التشريعي الى التقليص من فعالية مبدأ سلطان الإرادة و تقيده بعدة استثناءات تكاد تجهز عليه في بعض الحالات .

  موقف قانون الالتزامات و العقود المغربي

 هناك مجموعة من النصوص التشريعية التي تؤكد اعتناق المشرع المغربي المبدأ سلطان الإرادة كالفصول (2و19و21) التي تتعلق على التوالي بمبدا الرضائية في العقد و الحرية التعاقدية إلا أنه بالإضافة إلى ذلك فإن المشرع قد حدد نطاق هذا المبدأ بشكل واضح في الفصل 230 من القانون السابق إذا جاء فيه * الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة لمنشئيها ولا يجوز إلغاؤها إلا برضائهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون .
 فمن خلال هذا النص يتبين لنا أن المشرع المغربي قد جعل الإرادة شريعة المتعاقدين، وفي حالة الاتفاق بين أكثر من إرادة فإنها تصبح بمثابة القانون المنظم لهذه العلاقة، وهذا المبدأ المنصوص عليه في الفصل 230 پرتبط في الأصل بمبدأين آخرين هما مبدا القوة الملزمة في العقد ومبدأ نسبية آثار العقد، إذ أن هذه المبادئ التلاتة تشكل الاعمدة التي تقوم عليها نظرية نبدأ سلطان الارادة المنصوص عليها في التشريع المغربي .



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-