التقييد الاحتياطي وعلاقته بالحجز التحفظي

 نطاق التقييد الاحتياطي وعلاقته بالحجز التحفظي 


نطاق التقييد الاحتياطي في القانون العقاري المغربي

بقراءتنا للفصل 85 من قانون 14.07 يتضح أن المشرع المغربي استعمل الصياغة الآتية "يمكن لكل من يدعي حقا على عقار محفظ أن يطلب تقييدا احتياطيا للاحتفاظ به مؤقتا" وهي نفس الصياغة التي كانت قبل التعديل، مما يعني أن المشرع المغربي لم يحسم الخلاف الحاد الذي كان سائدا في أوساط الفقه والقضاء بشأن الحقوق التي يمكن تقييدها تقييدا احتياطيا.

 وإذا كان الخلاف محسوما بخصوص الحقوق العينية المنصوص عليها في مدونة الحقوق العينية ولا تثير إشكالا في مدى قابليتها للتقييد الاحتياطي فإن الخلاف ظل قائما حول مدى امتداد هذه الإشكالية لتشمل الحقوق الشخصية، حيث انقسم كل من الفقه والقضاء إلى رأيين، فما هي حجج ومؤيدات كل فريق، و أيهما على صواب؟

فالرأي الأول ذهب إلى القول بأن الحقوق التي يمكن أن تكون موضوعا للتقييد الاحتياطي هي الحقوق العينية فقط، وسندهم في ذلك هو أن مصطلح الحق الوارد بالفصل 85 المذكور أعلاه ورد بالباب الثاني المتعلق بإشهار الحقوق العينية العقارية المنصبة على العقارات المحفظة أما الرأي الثاني وهو الاتجاه الغالب في أوساط الفقه فيذهب بالقول إلى أن موضوع التقييد الاحتياطي في القانون العقاري المغربي يشمل الحقوق العينية والشخصية على حد السواء وسندهم في ذلك أن الفصل 85 من ظ.ت.ع قد ورد مطلقا ولم يتضمن ما يفيد إقصاء الحقوق الشخصية من أن تكون موضوعا للتقييد الاحتياطي، وإنما منح إمكانية المطالبة به لكل من يدعی، حقا على عقار محفظ سواء كان الحق الذي يدعيه عينيا أو شخصيا ويبدو أن هذا الخلاف حول الحقوق القابلة للتقييد الاحتياطي لم يقتصر على الفقه فقط، بل امتد ليشمل حتى القضاء الذي انقسم بدوره إلى اتجاهين:

 فالاتجاه الأول وهو المؤيد لفكرة شمول التقييد الاحتياطي للحقوق العينية والشخصية على السواء تمثل له بالقرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 17 أبريل 1929 والذي قضت فيه بإمكانية تقييد الوعد بالبيع تقييدا احتياطيا، وقضت نفس الاستئنافية في قرار آخر بنفس الشيء بالنسبة لحق الأفضلية، مع العلم أن حقي الأفضلية والوعد بالبيع يعتبران حقان شخصيان .

إلا أن نفس المحكمة تراجعت عن هذين القرارين بقرار آخر صدر بتاريخ 20_02_1951 ينسجم مع رأي الاتجاه الثاني حيث اعتبرت أن الحقوق العينية العقارية هي وحدها التي يمكن أن تكون موضوعا للتقييد الاحتياطي، أما حق الوعد بالبيع وحق الأفضلية هما مجرد حق شخصي أو دائنية وأن التقييد قاصر على الحقوق العينية دون غيرها، وقد اعتمدت هذه المحكمة في تعليلها على نفس العلة التي استند عليها الفقه المؤيد لهذا الرأي وهي أن الفصل 85 ورد ضمن الباب الثاني من ظهير التحفيظ العقاري وهو خاص بإشهار الحقوق العينية العقارية .


وعليه، فإذا كان النقاش الذي عرضنا بشكل موجز لأهم ملامحه أعلاه قد أسفر عن اتجاهين يدوران بين مؤيد للجمع بين الحقوق العينية والشخصية كموضوع للتقيد الاحتياطي وبين من جعل هذا التقييد مقتصرا على الحق العيني دون سواه، فإننا نرى بأن جميع الحقوق العيينية يمكن أن تكون موضوعا للتقييد الاحتياطي في الحالة التي تكون فيها هذه الحقوق قابلة للتقييد النهائي، لأن العبرة من التقييد الاحتياطي في القانون العقاري المغربي هو ضمان الحماية المؤقتة الحق تعذر على صاحبه تقييده تقييدا نهائيا لعدم استكمال كافة شروطه القانونية، أو في انتظار صدور حكم أو قرار قضائي في حالة وجود نزاع، فالعبرة في نظرنا بمدى قابلية الحق للتقييد النهائي بالرسم العقاري.

علاقة التقييد الاحتياطي بالحجز التحفظي

 لقد أقر المشرع المغربي إجراء مسطرة الحجز العقاري - التحفظي أو التنفيذي - كتقييد مؤقت على العقار المحفظ لضمان حق شخصي وليس لضمان حق عيني بدليل أن الفصل 452 من ق.م.م نص صراحة على وجوب تحديد الأمر القضائي بإيقاع حجز تحفظي مبلغ الدين على وجه التقريب كما أن التقييد الاحتياطي في القانون العقاري المغربي هو تقييد عقاري مؤقت قابل للتحول إلى تقييد نهائي للحق في المستقبل بأثر رجعي منذ تاريخ إجراء التقييد الاحتياطي، وذلك بعد استكمال الشروط القانونية للعقد داخل الأجل القانوني المحدد ولصلاحية التقييد أو حصوله على اعتراف القضاء بالحق موضوع التقييد الاحتياطي بموجب حكم قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضى به وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 85 من ق 14.07 . 

وعلى اعتبار أن كلا من الحجز التحفظي والتقييد الاحتياطي في القانون العقاري يعتبران من التقييدات المؤقتة ذات الطابع الحمائي للحقوق، سنحاول من خلال هذه الفقرة معالجة إشكالية على قدر من الأهمية، الأولى تتعلق برتبة هذه التقييدات والثانية سنعالج من خلالها مدى إمكانية الجمع بین مسطرتي الحجز التحفظي والتقييد الاحتياطي في رسم عقاري واحد. إن معالجة إشكالية رتبة هذين التقييدين تتطلب الوقوف على فرضيتين:


 1. الفرضية الأولى: إذا كانت رتبة التقييد الاحتياطي سابقة على رتبة الحجز العقاري بالرسم العقاري، فما مدى أحقية الحاجز التالي في المرتبة في مواصلة الإجراءات المسطرية للحجز العقاري وبيع العقار بالمزاد العلني؟ حسب الأستاذ حسن فتوح" والذي نراه بدورنا أقرب للصواب فإن إجراء تقييد احتياطي ضد المالك المسجل في الرسم العقاري لا يحول قانونا دون إيقاع الدائن لحجز عقاري على نفس العقار ومواصلة إجراءات البيع بالمزاد العلني، على اعتبار أن العقار لازال مملوكا للمدين طالما أنه لم يصدر أي حكم قضائي نهائي يعترف لصاحب التقييد الاحتياطي بوجود الحق محل التزام وتقييد الحكم المذكور بأثر رجعي من تاريخ التقييد الاحتياطي لذلك فإن المشتري بالمزاد العلني يبادر إلى طلب تقييد محضر إرساء المزاد بالرسم العقاري ويتم تسجيله من طرف المحافظ في رتبة موالية لصاحب التقييد الاحتياطي، وعليه فإن حق تملك المشتري بالمزاد ليس نهائيا، بل يبقى متوقفا على مصير التقييد الاحتياطي السابق له في الرتبة، ومعنى ذلك أن حصول صاحب التقييد الاحتياطي على حكم نهائي في موضوع الحق المتعلق بالعقار الذي سبق بيعه بالمزاد العلني يخوله الحق في اكتساب ملكيته بأثر رجعي منذ تاريخ التقييد الاحتياطي وفي هذا تجسيد للدور الحمائي لهذه المؤسسة في الحفاظ على الحقوق، ويضيع في المقابل حق المشتري بالمزاد العلني رغم تقييد محضر المزاد الرسم العقاري


 2. الفرضية الثانية: إذا كان الحجز العقاري في رتبة سابقة على التقييد الاحتياطي، فهنا لابد من تقييد محضر الحجز بالرسم العقاري سواء تعلق الأمر بمحضر تحويل الحجز التحفظي إلى حجز تنفيذي أم بحجز تنفيذي عقاري مباشرة على العقار المحجوز على اعتبار أن تحيين البيانات الواردة بالرسم العقاري له أثر مهم في اطلاع الغير على جميع الحقوق المرتبطة به والتقييدات المؤقتة التي يكون مثقلا بها، إذ أن مواصلة إجراءات الحجز وانتهاؤها بمحضر إرساء المزاد وتقييد هذا الأخير بالرسم العقاري يؤدي في القانون العقاري المغربي الى عدم استفادة صاحب التقييد الاحتياطي من الحماية المؤقتة التي كان يعول عليها طالما أن رتبته جاءت لاحقة لحجز عقاري، وأنه على علم بوجوده أثناء سلوكه لمسطرة التقييد الاحتياطية أما فيما يتعلق بمدى إمكانية الجمع بين مسطرتي الحجز التحفظي والتقييد الاحتياطي، فإننا سنحاول معالجة هذه الإشكالية انطلاقا من الدعوى العقارية الرامية إلى إتمام إجراءات البيع، فقانونيا لا يوجد ما يمنع المشتري من الجمع بين إجراء حجز تحفظي عقاري لضمان المبلغ الذي تسلمه البائع من المشتري، ومباشرة تقييدا احتياطي لمقال الدعوى بالرسم العقاري قصد ضمان المحافظة مؤقتا على الحق العيني المتنازع بشأنه، على اعتبار أن الوجود القانوني للحق العيني محل التقييد الاحتياطي يتوقف على صدور حكم حائز على قوة الشيء المقضي به يعترف بالحق لفائدته، ففي حالة رفض البائع طلب إتمام إجراءات البيع العقاري يبقى الحجز التحفظي المقيد بالرسم العقاري ضمانا لتسبيق الثمن هو الإجراء القانوني الفعال الذي يحقق الحماية التشريعية لفائدة الدائن الحاجز في مواصلة إجراءات الحجز التحفظي عن طريق طلب تحويله إلى حجز تنفيذي بعد حصوله على حكم قضائي بأداء الدين المترتب في ذمة البائع، وطرح العقار المحجوز للبيع بالمزاد العلني واستيفاء دينه من منتوج البيع، وفي الواقع العلمي هناك العديد من الحالات التي تم فيها الجمع بين التقييدين .


 وفي الختام، يمكن القول بأنه إذا كان كل من التقييد الاحتياطي والحجز العقاري في القانون العقاري المغربي يتحدان في كونهما تقييدين مؤقتين تحفظيين يهدفان أساسا إلى ضمان حماية الحقوق العينية والشخصية الواردة على العقارات المحفظة من خلال تقييدها بالرسوم العقارية، فإن التقييد الاحتياطي كمؤسسة متميزة في قلب القانون العقاري المغربي فقد خصها هذا الأخير بتنظيم دقيق، لحالاتها سواء تلك الواردة في ق 14.07 أو المنصوص عليها في مدونة الحقوق العينية .




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-