أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

التطور التاريخي للتنظيم القضائي المغربي

 التنظيم القضائي S4 : التطور التاريخي للتنظيم القضائي المغربي  

يمكن حصر أهم المحطات التاريخية التي مر منها التنظيم القضائي المغربي في ثلاثة:

 القضاء بالمغرب قبل حماية ثم مرحلة التدخل  الأجنبي وأخيرا مرحلة ما بعد الإستقلال .

 القضاء بالمغرب قبل الحماية

تميزت مرحلة ما قبل دخول نظام الحماية إلى المغرب سنة 1912 بوجود نوعين من القضاء: 

قضاء شرعي يتولاه القاضي الشرعي ممثل السلطان أمير المؤمنين ، وقضاء مخزني يباشره الباشوات في المدن والقواد في البوادي .

 القضاء الشرعي : (المحاكم الشرعية)

كانت محكمة القاضي الشرعي محكمة ذات ولاية عامة، وكان القاضي الشرعي هو القاضي العادي للمغاربة المسلمين.

وترجع أصول القضاء الشرعي الذي ميز المغرب في مرحلة ما قبل الحماية إلى النظام القضائي الإسلامي الذي كان يرتكز على المبادئ الراسخة في الفقه المالكي بالخصوص ، لذلك كانت المحاكم الشرعية محاكم ذات اختصاص عام تطبق أمامها أحكام الشريعة الإسلامية، وإذا كان القضاء الشرعي قبل فترة الحماية يندرج في إطار التنظيم القضائي الذي يستمد أحكامه من الشرائع السماوية، فهناك أيضا القضاء العبري أو ما يسمى بالمحاكم العبرية التي تتشكل من ثلاثة أحبار حيث يتم تعينهم من طرف جمعيات أعيانهم الكائنة بالمدن الكبرى، وكانت هذه المحاكم مختصة في الفصل في قضايا الأسرة أو ما كان يسمى بالأحوال الشخصية من زواج وطلاق و میراث وغير ذلك وفق الشريعة اليهودية، غير أن الجانب العملي كشف عن توسع في اختصاصاتها لتشمل القضايا المدنية والتجارية كلما كان النزاع بين يهوديين أو في حالة تطلب حل النزاع اعتماد وثائق محررة باللغة العبرية  .

 القضاء المخزني

فضلا عن القضاء الشرعي، عرف مغرب ما قبل الحماية القضاء المخزني أو محاكم الولاة أو محاكم الباشوات والقواد، وباعتبار الباشوات والقواد مسؤولين عن الأمن والنظام تولوا سلطة البحث عن المجرمين ومتابعتهم ثم بعد ذلك منحوا أنفسهم سلطة المعاقبة أيضا وبالتالي أصبحوا يشكلون قضاءا زجريا بالنسبة للمغاربة .


ولم يكن الباشوات والقواد يحتكمون إلى قانون مضبوط، إنما كانوا يستلهمون أحكامهم من قواد العدل والإنصاف، كما أنهم لم يكونوا يتقيدون بالتعقيدات المسطرية بحكم ما تتطلبه هذه القضايا من سرعة .


وحيث البعض فإن القضاء المخزني في تلك المرحلة كان قضاء تعسفيا وتحكميا لإنعدام المبدأ القاضي بفصل السلط وكذا مبدأ الشرعية الجنائية .


 القضاء بالمغرب في مرحلة التدخل الأجنبي 

برزت المعالم الأولي للتدخل الأجنبي في النظام القضائي لبلادنا خلال القرن الثامن عشر للميلاد حيث عمد بعض التجار المغاربة استغلال: علاقاتهم مع التجار الأجانب لطلب الحماية من دول هؤلاء ونشا عن هذه الوضعية ما يسمى بالامتيازات القنصلية والاجنبية التي كانت تخول لهؤلاء التجار الحق في التقاضي لدي قناصلة الدول التي تمنحهم الحماية وذلك طبقا لقوانين هذه الدول.


ووجد نظام الامتيازات هذا بمقتضی معاهدات دولية أبرمت خلال القرنين الثامن والتاسع عشر وأدى هذا الوضع الى خلق فضاء اجنبي هاجسه الوحيد هو حماية العناصر المنضوية تحت لوائه.

واثناء ابرام عقد الحماية بالمغرب كان من جملة ما نص عليه هذا العقد هو تعهد الفرنسيين بالقيام باصلاح النظام القضائي دون مساس بالمؤسسات الدينية والمقدسات الإسلامية .


خلال هذه الحقبة ابرمت معاهدة فرنسية اسبانية بتاريخ 27 نونبر 1912 تحتفظ فيها كل من الدولتين بحقها في اقامة محاكم مقتبسة من تشريعا الخاص.

اما اتفاقية طنجة التي أبرمت بتاريخ 18 دجنبر 1923 فنصت في المادة 48 على اقامة محاكم خاصة بالمنطقة , وهكذا قامت السلطة الفرنسية بانشاء محاكم فرنسية بجنوب المغرب سنة 1913 وعملت على تأسيس قوانين في الشؤون المدنية والتجارية والجنائية متأثرة إلى حد كبير بالتشريع الفرنسي.


أما السلطة الاسبانية فعملت بدورها على انشاء محاكم اسبانية بشمال المغرب وذلك سنة 1914 كما انشئت محكمة مختلطة بطنجة سنة 1923 وبما أن هذه المحاكم جاءت لتحل محل المحاكم القنصلية .

نظام الامتيازات قامت باقي الدول الأجنبية بالتنازل على امتيازاتها القضائية باستثناء انجلترا بالمنطقة الشمالية والولايات المتحدة في المغرب كله اللتان لم تتخليا على امتيازاتها إلا بعد الاستقلال.

وكانت هذه المحاكم تؤطر من طرف قضاة يفدون من الأسلاك القضائية الفرنسية أو الاسبانية ومن بعض الدول الأخرى بالنسبة المنطقة طنجة اما احكامها فكانت ترفع للنقض والابرام اما بباريس أو بمدريد.

وكان الغرض من قيام هذه المحاكم الاجنبية هو النيل من اختصاصات القضاء الشرعي ومحاولة تهميشه ، ويتمثل ذلك من خلال التقسيم الذي تبناه الاستعمار والذي يتضمن:

- محاكم فرنسية - محاكم مخزنية - محاكم عرفية


+ المحاكم الفرنسية :

قامت السلطات الفرنسية بانشاء عدة محاكم فرنسية على تراب الوطن المغربي وذلك بمقتضى ظهير 9 رمضان 12/

1331 غشت 1913 وتتمثل هذه المحاكم في:

- محاكم صلحية. - محاكم أبتدائية - مجالس استئنافية

وتبت هذه المحاكم في النزاعات المدنية أو التجارية التي تنشا عن الفرنسيين وكذا النوازل المتعلقة بالاملاك والأراضي كيفما كانت جنسية المتقاصيين (الفصل الثالث من الظهير المذكور.

واضاف ظهير 17 ذي الحجة 1338 / 1920 لهذه الأخيرة ما يلي: تحدد صلاحية المحاكم المذكورة إلى جميع القضايا التي يكون قوامها تنفيذ او تأويل حكم أو امر صادر من السلطة العدلية الفرنسية وذلك كيفما كانت جنسية المتداعين وموضوع الشيء المتنازع فيه للمحاكم الفرنسية وحدها النظر في النوازل الادارية وفي جميع المرافعات التي يقصد منها الزام الادارات العمومية بأن تصرح بأنها مدنية أما بسبب إتجار معاملات البيع والشراء التي عقدتها أو بجميع الاعمال الأخرق التي نشا عنها ضرر الغير.


+ المحاكم المخزنية:

امتدت كذلك يد المستعمر إلى اختصاصات الولاة الذين كانوا يعملون على تنفيذ الأوامر والأحكام التي تصدر عن القضاء الشرعي لتعزيز مركزه وضمان نفوذه فجعلت هذه السلطة عبارة عن قضاء جديد مستقل بذاته .

فأصبح القواد والباشوات وخلفائهم يعقدون مجالس للفصل في النزاعات واصدار أحكام بخصوصها دون احترام أي مسطرة أو قوانین قارة فكانت الأحكام تصدر بأمر وموافقة المندوب المخزني أو المراقب المدني الفرنسي ويتبين أذن أن هذه المحاكم كانت بدورها عبارة على مؤسسات فرنسية تشتغل بجانب المحاكم الفرنسية الهدف منها مرة أخرى هو النيل من القضاء الشرعي وتهميشه خصوصا اذا علمنا أن الباشوات والقواد لم يكن يراعي في تعيينهم الا مدى انتمائهم وخضوعهم لسلطة المستعمر لذلك سرعان ما اتسعت رقعة اختصاصا فأصبحت بإيعاز من سلطة الحماية فقط في القضايا الجنائية بل كذلك في القضايا ذات الصبغة المدنية والتجارية الشيء الذي قلص كثيرا من اختصاصات القضاء الشرعي الذي أصبح شيئا فشيئا مجرد قضاء استثنائي .


+ المحاكم العرفية: 

تخطيطات المستعمر السياسية التي استهدفت وحدة الشعب المغربي استعملت من بين الوسائل التي وضفها لهذا الغرض انشاء مجالس للحكم لدى الجماعات بالقبائل البربرية واضفت على ما تبقى بهذه القبائل من اعراف جاهلية صيغة القانون كانت تستند عليه كل الأحكام التي تصدر عن هذه المجالس كما جعلت القضايا الجنائية التي تنشأ في هذه القبائل من اختصاص المحاكم الفرنسية .

وهكذا استطاع جهاز الاستعمار أن يفصل الجزء الأكبر من البلاد عن العمل بالقضاء الشرعي.

ولم تتوقف السلطات الاستعمارية عند عمليات البتر والتشتيت بل عملت على تفجير القضاء الشرعي من داخله وذلك عن طريق النظام الذي أحدثته لعرقلة سيره وتمييع مؤسساته حيث جعلت من القضاة موظفين من نوع خاص يتقاضون أجورهم من الخصوم ويشتغلون تحت مراقبة المندوب المخزني الفرنسي في المدن والمراقب الفرنسي في القرى . فكان ذلك بمثابة ضربة قاضية للحكم الشرعي الذي استلبت منه مصداقيته ونزاهته واستقلاله أي كل الامتيازات التي كان يتمتع بها والمبادئ المقدسة التي كان يقوم عليها .


 القضاء بالمغرب في مرحلة ما بعد الاستقلال


يمكن تقسيم مرحلة ما بعد الاستقلال إلى فترتين انتقاليتين:

  •  الأولى تنطلق منذ أحراز بلادنا على الاستقلال إلى غاية قانون توحيد وتقريب القضاء سنة 1965 .
  •  الثانية منذ هذا التاريخ إلى صيف 1974 . 

 المرحلة الانتقالية الأولى 1965 / 1956 

بمجرد إحراز بلادنا على استقلالها تم - إلغاء النظام العالمي لمنطقة طنجة - الغاء المحاكم العرفية - ابعاد القواد والباشوات عن القضاء.

فبمقتضى ظهير 22 شعبان 1375 الموافق ل 4 أبريل 1956 تم تنظيم محاكم جديدة اطلق عليها اسم المحاكم العادية تختص بالنظر في القضايا المدنية والتجارية والجنائية وكانت هذه المحاكم أما مفوضية أو اقليمية أو عليا شرعية وهكذا انشئت ثمانية محاكم اقليمية بمقتضى الظهير رقم 56071 المؤرخ ب 6 رمضان 1375 موافق

18 أبريل 1956، كما انشئت محكمتان اقليميتان بالشمال بتاريخ 18 دجنبر 1956 ، وعوض المحاكم العرفية أقيمت محاكم عادية ومحاكم للقضاء الشرعي وذلك بمقتضى ظهيرين مؤرخين في 17 محرم

1376 (25 غشت 1956) وتم تنظيم المحاكم الشرعية على نمط المحاكم العادية بمقتضى ظهير صدر في 5 جمادى الأولى 1376 ( 8 دجنبر 1956) وكذا الأمر بالنسبة للمحاكم العبرية بموجب ظهیرین مؤرخين في 23 رجب 1376 موافق 23 فبراير 1957.


 المرحلة الانتقالية الثانية

أهم ما طبع هذه المرحلة هو قانون توحيد القضاء المغربي الصادر بتاريخ 22 رمضان 1384 موافق 26 يناير 1965

فنص الفصل الأول من هذا القانون على أن المحاكم المغربية أصبحت موحدة و أصبحت تضم حسب الفصل الثاني من نفس القانون على :

- محاكم السدد - المحاكم الإقليمية - محاكم الإستئناف - المجلس الأعلى .

أما الفصل الرابع فأكد أن القضاء لا يمارس إلا من طرف من يحمل الجنسية المغربية. وأضاف الفصل الخامس أن اللغة العربية وحدها لغة المرافعات والمداولات والنطق بالأحكام .

يمكن القول اذن أن هذه المرحلة كانت مرحلة توحید وتعريب ومغربية القضاء ببلادنا.

هذا ويعتبر اصلاح 1974 الإطار العام للقانون القضائي الخاص أو قانون المسطرة المدنية .

يونس
يونس