مصادر الالتزام الارادية نظرية العقد (الفرع الثاني)

قانون الإلتزامات والعقود "نظرية العقد"

القانون المدني,محاضرات,كلية الحقوق,المدني,قانون الالتزامات والعقود,قانون الاتزامات والعقود,مصادر الإلتزام,مداخلات في المسطرة المدنية,نظرية العقد,نظرية الالتزام
مصادر الالتزام في القانون المغربي

الفرع الثاني: تكوين العقد

المبحث الأول: التراضي

" التراضي هو توافق إرادتين أو أكثر بهدف إحداث أثر قانوني" ولا يعد موجودا إلا في تطابق إرادة العاقدين وأن يكون تراضيا صحيحا صادرا من شخص ذو أهلية غير مشوب بإحدى عيوب الرضا.

وجود التراضي

 لوجوده لا بد من وجود إرادة بإبداء أول طرف موافقته في صورة إيجاب يقبله الطرف الثاني، فيتطابق الإيجاب بالقبول ليحصل التراضي.

الفقرة الأولى : وجود الإرادة وكيفية التعبير عنها

 1- وجود الإرادة :  لوجود الإرادة لا بد من توفر الرضا لدى كل طرف في العقد وتعني الإرادة وعي الشخص لما يقصده، وبالتالي الصغير غير المميز أو فاقد الوعي إرادتهم منعدمة ، وبما أنها تتجه لإحداث أثر قانوني لا يعتد بإرادة الهازل.

 2- كيفية التعبير عن الإرادة : يمكن التعبير عنها كتابة أو لفظا أو إشارة أو عملا ماديا إلا ما استثني بنص.

 أ -التعبير الصريح عن الإرادة  "هو الذي يعكس إرادة صاحبه بطريقة مباشرة ومن غير حاجة لإعمال الفكر أو الإستنتاج"  تتم بالكتابة أو القول وكذا بالإشارة كرفع الرأس عموديا في العرف، ولإشارة المفهومة أو موقف لا يشوبه شك في دلالته على المقصود.

 ب -التعبير الضمني عن الإرادة "هو التعبير الذي يعكس الإرادة بصورة غير مباشرة عقب استعمال الفكر في الإستنتاج والتفسير" مثل المكتري الذي يستمر في شغل العين المكتراة بعد انقضاء مدة عقد الكراء تعبيرا منه في إرادته تجديده.

 ث - هل يعتبر السكوت تعبيرا عن الإرادة؟ للإجابة على هذا السؤال نميز بين لإيجاب والقبول.

 السكوت كموقف سلبي لا يمكنه أن يدل على الإيجاب باعتباره موقف إيجابي يعرض للتعاقد، لكن السكوت يمكن إذا كان ملابسا أن يدل على القبول بطريقة ضمنية، وقد بين هذا الفصل 25.

ج -مدى مطابقة الإرادة الظاهرة للإرادة الباطنة هناك نظرية فرنسية تؤكد على أنه لإحترام مبدأ سلطان الإرادة لا بد أن نأخذ بالإرادة الباطنة، ونظرية ألمانية تؤكد أنه لإستمرار المعاملات نأخذ بالإرادة الظاهرة ما دامت الأخرى لا ترتب أثرا قانونيا، المشرع المغربي أخذ موقف وسط حيث اعتد كمبدأ عام بالإرادة الظاهرة حسب الفصلين 21 و 461 إلا أنه لم يتجاهل الإرادة الباطنة حسبما يتضح من عدة فصول ومنها الفصلين 22 و 462.

 الفقرة الثانية: الإيجاب

 1- تعريف الإيجاب

 هو تعبير عن إرادة منفردة بمقتضاه يعلن شخص عن إرادته الباثة في إبرام عقد معين مع تحديد شروطه الأساسية التي إن قبلها الشخص الموجه له الإيجاب انعقد العقد.

 2- شروط الإيجاب

  1. يلزم أن يكون الإيجاب باتا : فلا يتحقق هذا الشرط كثيرا حيث يمكن قطعه في المعاملات كما لا يعتبر الإيجاب باتا إن علق على شرط أو قيد واقف.
  2. يلزم أن يتضمن الإيجاب شروط التعاقد الأساسية : فلا يشترط في الإياب أن يكون شاملا لكل تفاصيل العقد بل يكفي تضمنه لشروطه الأساسية ومع ذلك فهذا لا يمنع من زيادة شروط أخرى.
  3. يلزم أن يتصل الإياب بعلم الموجه إليه أي معلن عنه : يعتبر الإيجاب تصرفا قانونيا بإرادة منفردة هدفه إنشاء علاقة تعاقدية، لذلك يتعين لكي ينشيء هذه العلاقة أن يوجه لشخص آخر لكي يقبله (أنظر الفصل 18) ، كما يمكن الموجب مبدئيا التراجع عن إيجابه إن لم يقبله الطرف الموجه إليه أو لم يبدأ في تنفيذه حسب الفصل 26.

 3-  أثر الإيجاب

القوة الملزمة للإيجاب: كقاعدة عامة لا يكون ملزما حيث يمكن التراجع عنه عندما لا يتصل بالقبول (الفصل 26) لكن استثناءا يكون ملزما في أحوال وردت قانونا كالتالي:

  1. إن كان الإيجاب مقترنا بأجل للقبول يبقى ملتزما إزاء الطرف الأخر لحين انتهاء الأجل، فلا يتحلل من الإيجاب إلا إن لم يصله رد بالقبول في هذا الأجل( ف 29) .
  2. يستمر مقدم الإيجاب عن طريق المراسلة دون تحديد أجل للقبول ملتزما إلى الوقت المناسب لوصول رد المرسل إليه داخل أجل معقول مالم يتبين من الإيجاب عكس ذلك (الفصل 30 – الفقرة 1.)
  3. يكون الإيجاب ملزما لصاحبه حتى بعد موته أو حدوث نقص في أهليته إذا قبله الموجب له وهو يجهل ذلك(الفصل 31) .
سقوط الإيجاب: يسقط الإيجاب في الأحوال الأتية :
  1.  إن رفض الموجب له الإيجاب بشكل صريح أو ضمني كقبول الموجب له بشروط مغايرة الإيجاب مما تعتبر قانونا كإيجاب جديد (الفصل 27) .
  2.  عند انتهاء أجل الإيجاب إن حدد دون قبوله (الفصل 29) .
  3.  عندما ينفض مجلس العقد دون اقتران الإيجاب بالقبول (الفصل 23) .
  4.  يسقط الإيجاب بوفاة الموجب أو فقدان أهليته مع علم الموجب له بذلك من قبل (الفصل31) .
الفقرة الثالثة : القبول

 هو تعبير عن الإرادة يقبل بمقتضاه الشخص الموجه إليه الإيجاب كل شروط الموجب ، فتتطابق الإرادتان وينشأ العقد المقصود، ويمكن أن يكون صريحا أو ضمنيا كما أسلفنا حسب الفصل 25.

 1- شروط القبول :
  • أن يصدر القبول والإيجاب لا زال قائما : أي صدور القبول في وقت يكون الإيجاب ملزم لصاحبه ، كأن يصدر قبل انقضاء أجل الإيجاب إن كان أجل ، وإن لم يكن يتم على الفور حتى بالهاتف (الفصل 23) , كما لا تعد له قيمة إن سقط الإيجاب قانونا كموت الموجب أو فقدان أهليته مع علم الموجب له.
  • أن يكون القبول مطابقا للإيجاب تمام المطابقة : أي يأتي القبول الذي ينعقد معه العقد موافقا لكل الشروط التي وردت في الإيجاب حسب الفصل 28.
 2- آثار القبول :

 إن اكتمل الشرطين السابقين يقوم القبول منتجا لأثاره ليكتمل التراضي الذي يجعل العقد قائما مرتبا لكل الإلتزامات المتفق عليها.

 الفقرة الرابعة : تلاقي الإيجاب بالقبول

 1-  تطابق إرادتي المتعاقدين الحاضرين في مجلس العقد مجلس العقد هو اجتماع الطرفين مباشرة في نفس المكان وانشغالهما بالتعاقد دون أن تفصل فترة زمنية بين صدور القبول وعلم الموجب به، لذا ينبغي أن يقبل الإيجاب فورا، فيكون وقت صدور القبول هو وقت انعقاد العقد ومكان انعقاده هو المكان الجامع بين العاقدين.

 2-  تطابق إرادتي المتعاقدين غير الحاضرين في مجلس العقد يكون بعدة طرق كالأتي :
  • التعاقد بالمراسلة : كالرسائل البريدية والتلكس والتلفكس ...
  • التعاقد بواسطة وسيط أو سمسار.
  • التعاقد بالهاتف : له ميزتين حيث يجمع حاضرين في نفس الزمان، وغائبين عن نفس المكان.

 نتساءل عن وقت انعقاد العقد هل هو وقت وصول القبول وتسلم الموجب لهذا القبول، أم وقت علم الموجب بالقبول بعد وصوله له؟ ويكون هذا المكان هو مكان وجود الموجب.

 لذا تبرز أهمية معرفة زمن انعقاد العقد فيما يأتي:
  1. تحديد الوقت الذي لا يستطيع فيه الموجب أن يرجع عن إيجابه إن كان هذا الإيجاب غير ملزم.
  2. تحديد وقت ترتيب العقد لأثاره.
  3. تحديد تاريخ انطلاق سريان تقادم الإلتزامات المترتبة عن العقد.
  4. نفاذ أو عدم نفاذ العقود الصادرة عن تاجر أشهر إفلاسه.
كما تبرز أهمية معرفة مكان انعقاد العقد فيما يأتي :
  • معرفة قانون البلد الواجب تطبيقه على العقد ، لأن العقد يخضع مبدئيا لقانون البلد الذي انعقد فيه.
  • معرفة المحكمة صاحبة الإختصاص للفصل في النزاعات المترتبة عن تنفيذ العقد.
 في غياب نص في فرنسا تسود أربع نظريات :
  1. نظرية إعلان القبول : يكون العقد تاما بين غائبين في مكان وزمان إعلان القابل عن قبوله .
  2. نظرية تصدير القبول : يكون العقد تاما في مكان وزمان تصدير القابل لقبوله .
  3. نظرية تسلم القبول : يكون العقد تاما في مكان وزمان تسلم الموجب للقبول .
  4. نظرية العلم بالقبول : يكون العقد تاما في مكان وزمان علم الموجب بالقبول.

 وتوزعت هذه النظريات على عدة دول حيث كل دولة تأخذ بإحداها عدا فرنسا وقضاءها الذي ظل متذبذبا ؛ المشرع المغربي أخذ بنظرية إعلان القبول حسب الفصل 24 إلا أن الأستاذ عبد الحق صافي يرى بأنه يأخذ بنظرية تصدير القبول لورود عبارة "رد القبول" في الفصل السالف الذكر.

لكن هاته الشروط التي تجملها النظريات الأربع ليست من النظام العام حيث حسب الفصل 19 يمكن للمتعاقدين الإتفاق على مكان وزمان انعقاد العقد.

صحة التراضي

 صحة التراضي تلزمها أهلية وعدم خلو العقد من عيوب الرضا.

 الفقرة الأولى :الأهلية 

الأهلية لغة هي الجدارة والكفاءة لأمر من الأمور وفي الإصطلاح القانوني هي قابلية الشخص لإكتساب الحقوق وتحمل الإتزامات ، ولممارسة التصرفات القانونية التي تمكنه من كسب الأولى وتحمل الثانية؛

 إذا الأهلية نوعان:
  • أهلية وجوب: تولد مع الإنسان منذ الولادة، وهي قابلية الشخص اكتساب حقوق وتحمل التزامات ولا علاقة لها بالتصرفات القانونية وتساير الإنسان لحين وفاته.
  • أهلية أداء: وهي استطاعة الشخص أن يمارس بنفسه التصرفات القانونية التي قد تكسبه حقا أو تحمله التزاما بطريقة يعترف بها القانون.

 حسب الفصول من 3 إلى 13 والمادة 209 من مدونة الأسرة فالأصل في الإنسان كمال الأهلية والإستثناء نقصانها أو انعدامها.

  أولا : الأصل في الشخص كمال الأهلية

 كمال الأهلية مبدأ ثابت لحين تبين العكس، ونعت الإنسان ب"الراشد" أي أنه بلغ سن الرشد القانوني أي صحة المعاملات والتصرفات التي يبرمها وتنفذ آثارها تجاه الأطراف طبقا للقانون، وعلى من يدعي العكس إثبات ذلك بنقصان الأهلية لإبطال العقد أو انعدامها لبطلان العقد ولا يقبل احتجاجه بعدم العلم حسب الفصل 10 ، وهي يحكمها قانون أحواله الشخصية طبقا للفصل 3 من ق.ل.ع، وقواعدها من النظام العام.

 ثانيا: الإستثناء في الشخص عدم كمال الأهلية
 1-  فقدان الأهلية وأثره في التصرفات القانونية عددتها م.س في م 217 في حالتين :

 أ - حالة الصغير غير المميز: الذي لم يبلغ 12 سنة لذا فتصرفاته مصيرها البطلان سواء نافعة أو ضارة أو دائرة بينهما.

  1. التصرف النافع يخول من يباشره حقوقا ولا يحمله التزام أو مقابلة كالهبة دون عوض.
  2. التصرف الضار يحمل من يباشره التزاما دون تخويله حقوقا كالهبة دون عوض.
  3. التصرف الدائر بين النفع والضرر يحتمل بحسب نسبة الربح والخسارة.

 ب - حالة المجنون: الجنون هو اضطراب في القوة العقلية يؤدي لفقدان التمييز والمجنون هو عديم العقل، وعرف العلماء الجنون على أنه "زوال الشعور من القلب، مع بقاء الحركة والقوة في األعضاء".

 2- نقصان الأهلية وأثره على التصرفات القانونية حسب م.س في م 213 فهي 3 حالات سنتناول فقط حالتي السفيه والصغير المميز.

 أ - حالة الصغير المميز: هو الشخص الذي بلغ سن التمييز 12 سنة ولم يكمل سن الرشد 18 سنة فهو يكتسب وعيا وإدراكا يميز القبيح من الحسن إلا أن عقله لم ينضج بعد.

 ب -حالة السفيه: السفه هو تبذير وإضاعة المال بطريقة لا يحكمها العقل، والسفيه حسب م 215 من م.س هو المبذر الذي يصرف ماله فيما لا فائدة فيه وفيما يعده العقلاء عبثا، بشكل يضر به وبأسرته.

حكم تصرفات ناقص الأهلية : تختلف حسب نوع التصرف إن كانت من شأنها ترتيب حقوق له أو إعفاءه  من التزامات فهي صحيحة كالهبة غير المثقلة حسب الفصل 5

تعتبر عديمة الأثر وباطلة إن كانت لا تغني ذمته المالية في شكل تبرعات صادرة منه حسب الفصل 12.
وتصرفاته العوضية هو الجواز أو الإبطال لتصرفاته كأصل.

 وترد على هذه الأحكام العامة عدة استثناءات كما يلي:

أهلية إدارة الأموال : تمنح هذه الأهلية لناقصي الأهلية إن توفر فيهم شرطان :
  • تعلق الأمر بالصغير المميز الذي بلغ 15 سنة على الأقل .
  • اكتسابه لعالمات الرشد تبرهن على امتالكه قدرات إدراكية لا تتوفر لأقرانه في نفس السن.

وحسب م 226 من م.س تمنح المحكمة هذا الإذن له في التصرف في أمواله، ويمكن سحب الإذن منه طبقا لنفس المادة إن تبين خسارته الفادحة أو عدم حسن تصرفه في المال، ومعلوم أن تصرفاته خلال هذه المرحلة لا تسري بأثر رجعي إن سحب منه الإذن.

الترشيد المبكر: يحصل الصغير المميز على أهلية كاملة إن:

بلغ 16 سنة كاملة.
يطلب الولي من المحكمة ترشيده إن أنس منه ذلك ويترتب عنه اكتسابه أهلية كاملة، ولا يمكن ترشيده إلا إن تبث للمحكمة ذلك طبقا للمادة 218 من مدونة الأسرة.

ثالثا: موانع الأهلية

 قد يكون الشخص كامل الأهلية لكن قد يحصل ما يمنعه من مباشرة التصرفات القانونية بمفرده ك:

 1- الحكم بعقوبة جنائية
   الحجر القانوني كعقوبة إضافية تؤدي لتجميد المعاملات المالية للمحكوم عليه جنائيا، مما يحرمه القيام بالتصرفات القانونية لحين انتهاء مدة العقوبة حسب الفصل 38 من المجموعة الجنائية.

 2 - حالة السكر لا تبطل المسؤولية المدنية إلا إذا كان السكر اضطراريا وتحت القهر مع إثبات المعني بالأمر ذلك حسب الفصل 93 
من قانون الإتزامات والعقود.
3 - العاهة أو العجز الجسماني الشديد لم يشر له المشرع المغربي لكن حسب الفصل 54 الخاص بحالة المرض والحالات المشابهة يمكن اتباع نفس التقنين المصري الذي يقضي بإبطال كل تصرف صادر عن من توفرت فيهم تلك الشروط وبدون مساعده القضائي إن عين له، حيث إن الشخص قد كون كامل الأهلية لكنه عاجز عن التعبير عن إرادته.
الفقرة الثانية : عيوب الرضا 
لن يتم الرضا إذا كانت إرادة أي أحد من المتعاقدين مشوبة بأحد العيوب أسفله :
 العيب الأول: الغلط
 الغلط هو توهم يقوم في ذهن الشخص فيصور له الأمر على غير حقيقته مما يدفعه للتعاقد، على ذلك فهو تصور خاطيء للواقع يؤدي بالشخص لإبرام عقد ما كان ليبرمه لو تبين حقيقة الأمر .

أولا :أنواع الغلط
الغلط المانع من الرضا
يمنع الرضا وبالتالي يمنع انعقاد العقد ويجعله باطلا بطلانا مطلقا لذا أسماه الفقه بالغلط المانع.
 ويقع الغلط المانع في ماهية العقد أو محل أو سبب الإتزام :
  1. في ماهية العقد : كأن يعطي أحد آخر شيئا على سبيل الإعارة فيظن الأخر أنه أعطاه له على سبيل الهبة.
  2. في محل الإلتزام التعاقدي : كما لو باع شخص إحدى سيارتيه قاصدا الأولى بينما قصد المشتري الثانية.
  3. في سبب الإتزام التعاقدي كأن يلزم الشخص بإصلاح ضرر لم يكن مسؤولا عن إحداثه ظنا منه أنه المسؤول عنه فيظهر أن المسؤول غيره.
 في الحالات الثلاث انعدم الرضا وليس مقتصرا على عيب في الإرادة.
الغلط الذي يعطي الحق في طلب الإبطال
 هو غلط لا يعدم الرضا إنما هو عيب فيه، أي أن الإرادة معيبة مما يجعل العقد موجودا وقابلا للإبطال، ونظمه ق.ل.ع في الفصول من 40 إلى 45.
1- حالاته :
 أ -حالة الغلط في القانون :
هو سوء فهم المتعاقد لقاعدة قانونية فيفهمها فهما خاطئا، أو جهله بوجود قاعدة قانونية كأن يظن عدم وجود قاعدة تنظم موضوعا معينا وهو العكس أو اعتقاده بوجود قاعدة قانونية غير موجودة في الواقع وتعامله على أساس ذلك؛ وأعطاه المشرع الحق في طلب الإبطال بنص الفصل 40 على أساس أن الزوجة ترث الثمن فيتبين لهم أن الزوجة ترث الربع لأن الهالك لا أبناء له.
 ب -حالة الغلط في الشيء:
 نص عليه الفصل 41 وخوله الإبطال إن كان في ذاتية الشيء أو نوعه أو صفة فيه.
وهو أعطى لبسا حيث يشبه بالغلط المانع لدى الفقهاء لأن المشرع لم يشرح "ذاتية الشيء" على أنها "مادة الشيء".
- ففي ذاتية الشيء : كأن يبيع شخص دار رقم 1 ويظن المشتري أنه اقتنى دار رقم 2.
- وفي مادة الشيء: كأن يبيع شخص حقيبة من الجلد الطبيعي فيظن الأخر أنه اشتراها من الجلد الصناعي.
 ويكون ذلك في صفاته الجوهرية كبيع أحدهم لوحة زيتية لفنان مغمور فيظن الأخر أنه اشترى لوحة للفنان بيكاسو .
ث - حالة الغلط في الشخص:
 نظمها الفصل 42 وهذا الغلط ينصب على شخص المتعاقد نفسه من ذاتيته وجنسه وهويته كأن يهب إنسان ماال لشخص ظانا أنه قريب وإذ هو ليس كذلك، أو ينصب الغلط على صفته كأن يتفق مع أحد لصناعة خزانة خشبية على أساس مهارته في النجارة وإذ هو ليس بنجار.
ج - حالة الغلط الواقع من الوسيط:
 أشار الفصل 45 على أنه يمكن إبطال العقد إن استعمل أحد المتعاقدين وسيطا ووقع الوسيط في الغلط في الشيء الشخص، لهذا يطلب الإبطال بناء على حالات الفصلين 41 و 42.
 وهذا لا يمنع الوسيط من المساءلة بل وتعويض المضرور عن الضرر إن اقتضى الحال ذلك.
 2- شروطه
 حسب الفصول 41 ،42 ،44 وسواء كان الغلط مشتركا من المتعاقدين او أحدهما ولإبطاله بدعوى تعييب الإرادة ينبغي توفر شرطين فيه:
 أ -أن يكون الغلط هو الدافع إلى التعاقد: أي أن يكون للغلط أثر فعال على الرضا بحيث ما كان ليقع الرضا لولا حصول الغلط، كأن يشتري أحد شعيرا ظانا أنه اشترى قمحا وكانت نيته شراء القمح يمكنه طلب الابطال، أما إن تبين أنه اتجه لشراء الحبوب دون تبيان النوع فليس من حقه طلب إبطال العقد لأن غلطه في هذه الحالة ليس هو الدافع إلى التعاقد.
ب -أن يكون الغلط مما يعذر عنه: وهكذا فالغلط الواقع في النصيب الإرثي للزوجة يعذر عنه إن صدر من رجل أمي لا علاقة له بالفقه والقانون ولا يعذر عنه إن صدر من رجل قانون.
 3- آثار الغلط المؤثر
 حينما يستوفي الغلط الشرطين السابقين من حق من عيبت إرادته طلب إبطال العقد مع احترام قواعد التقادم لكن الشخص الأخر الذي كان على بينة من الأمر فليس له الحق في أن يثير غلط الطرف الأخر ولا أن يطلب الإبطال.
_ الغلط الذي لا يؤثر في صحة العقد
 معلوم أنه لا يؤثر في صحة العقد ولا يعيب الإرادة ومنه:
 - الغلط في صفة الشيء الدافع للتعاقد مثال في رسوم ثوب مشترى أو صفة الشخص كجنسية التاجر الذي تم الإقتناء من عنده .
- غلط في الأسباب والبواعث الحاملة على التعاقد كشراء سيارة جديدة ظانا أن القديمة سرقت بينما هي لا تزال.
 - غلط في قيمة الشيء ما عدا إن تعلق بغبن.
- غلط في تسمية العقد.
 ثانيا:الغلط بين النظرية التقليدية والنظرية الحديثة
 1- النظرية التقليدية في الغلط هي نظرية تعتد بالتقسيم الثالثي المذكور سالفا لأنواع الغلط حيث تقيم الغلط على معيار مادي موضوعي، ولا تعتد بالغلط كسبب للإبطال إلا في حالات محصورة دون إمكانية التوسع فيها وهو ما سار عليه الفقه الفرنسي التقليدي. وهمت خاصة مادة الشيء وشخص المتعاقد .
 2- النظرية الحديثة في الغلط سادت لدى القضاء الفرنسي والفقه الحديث حيث توسع القضاء الفرنسي في تفسير الغلط بدمج النوعين الثاني والثالث وعدم الإعتداد بالأول المانع، فلم يقف عند ماهية الشيء أو صفة الشخص المتعاقد أو صفات الشيء الجوهرية بل تعداه فاعتبر كل غلط قابلا للإبطال لأنه نفذ إلى نية المتعاقد، وكان له منظور شخصي ذاتي وليس مادي موضوعي، وهذا إجابة عن سؤال: لماذا لا يعتبر كل غلط دافعا إلى التعاقد سببا معيبا للرضا ومستوجبا لقابلية الإبطال؟. وفي نفس الوقت طلب شروط أخرى للإبطال حفاظا على استقرار المعاملات واطمئنان الطرف الثاني حسن النية، كأن يتصل المتعاقد الاخر بالغلط وأن يكون مما يعذر عنه.
 3- موقف المشرع المغربي من النظريتين رغم مسايرته للقانون الفرنسي في تحديد التقسيم الثلاثي فقد تأثر حقيقة بالنظرية الحديثة حسب الفصل 44 وأخذه بالمعيار الشخصي لتقدير وجود الغلط أو انتفاءه حينما اشترط أن يكون الغلط هو الدافع إلى التعاقد وأن يصدر ممن يعذر عنه حتى يستوجب طلب الإبطال.
 العيب الثاني: التدليس
 هو استعمال أساليب احتيالية بقصد إيقاع شخص في غلط يدفعه للتعاقد إلا أن هذا الغلط يتم نتيجة هذه الأساليب وليس كالغلط العادي الذي يكون تلقائي، وهذا أيضا يجعل الإرادة معيبة؛ مثال: تقديم تصاميم أرض كأنها تصلح للبناء وهي في واقع الحال لا تصلح لذلك.
أولا : تطور فكرة التدليس
 - لم يظهر عند الرومان إلا بعد تطور التجارة فاعتبروها جنحة خاصة وليست عيبا في الإرادة.
 - القانون الفرنسي لم يعرف التدليس إلا بدخول التشريع الحديث في القرن 18 ،ومنه انتقلت الفكرة لباقي التشريعات منها المغرب في الفصلين 52 و 53 .
ثانيا: تمييز التدليس عن الغش
 - التدليس: استعمال وسائل احتيالية عند تكوين العقد لتؤثر في الإرادة وتدفع للتعاقد.
 - الغش: التضليل أو الخدعة خارج نطاق التعاقد كخلط الحليب بالماء قبل عرضه على البيع.
 ثالثا: شروط التدليس حسب الفصلين 52 و 53 لكي نكون أمام تدليس ال بد من توفر ثالثة شروط كالأتي:
 - الشرط الأول: استعمال أساليب احتيالية
 يقوم هذا الشرط على عنصرين هما:
 1- عنصر مادي:
 الوسائل المستعملة (الأساليب) هي كثيرة ومتنوعة منها وسائل مادية كتقديم وثائق مزورة أو وسائل تتمثل في الإدعاءات التضليلية بالزيادة من حد الشيء في أوصافه كما أن الكذب والكتمان رغم أنهما ليستا بوسيلتين احتياليتين إلا أنه قد يعتبران كذلك في بعض الحالات إن تعلق الأمر بمعلومات وبيانات هامة ...
 2- العنصر المعنوي:
 نية التضليل هو عنصر يتمثل في قصد الإحتيال على الشخص وإيقاعه في الغلط الذي يدفعه للتعاقد، ونية التضليل لا يعتد بها إلا إذا كانت تهدف لتحقيق غرض غير مشروع، أما إن كان الغرض مشروعا فالشخص لا يعتبر مدلسا.
 - الشرط الثاني: أن يكون التدليس هو الدافع إلى التعاقد
 أي أن يبلغ درجة أثر فيها على الإرادة ودفع للتعاقد، ويخول فيه القانون الإبطال ويسمى التدليس الدافع، أما إن كان غير مؤثر بشكل كبير في الإرادة يسمى تدليسا غير دافع يخول فيه القانون التعويض فقط وليس إبطال العقد، لكن الفقه انتقد هذه التفرقة واعتبر كل تدليس معيب للإرادة.
 - الشرط الثالث: أن يكون التدليس صادر من المتعاقد الأخر أو يكون على علم به
 أي يكون من الطرف الأخر أو نائبه أو شخص آخر يعمل بالتواطؤ معه أو شخص من الغير مع علمه بالتدليس أما إن لم يكن يعلم فيسقط حق الأخر في طلب إبطال العقد لإنتفاء نية التدليس.
  رابعا: آثار التدليس
 يعطي الحق للمدلس عليه في طلب إبطال العقد، بل إن نتج عن ذلك أضرار لا يكفي الإبطال لتصحيحها أمكن ذلك اقترانه بطلب التعويض بشرط أن يكون معيبا للإرادة دافعا للتعاقد أما إن كان غير دافع لا يمكن إلا طلب التعويض فقط.
 خامسا: العلاقة بين التدليس والغلط كل منهما توهم يصور للمتعاقد الأمر على غير حقيقته مما يدفعه للتعاقد، إلا أن الغلط توهم يقع فيه المتعاقد من تلقاء نفسه، عكس التدليس الذي يتم باحتيال فيسمى تغليط وليس غلط؛ لهذا المشرع حدد نطاق الغلط ولم يسمح بالإبطال إلا في حدود ضيقة عكس التدليس الذي توسع فيه وهو ما يتماشى مع النظرية التقليدية، عكس الحديثة التي تدعو لدمج التدليس مع الغلط عن طريق التوسع في مفهوم الغلط ما دام مشتركا ودافعا وصادرا ممن يعذر عنه.
 العيب الثالث: الإكراه
حسب الفصل 46 هو إجبار يباشر من غير أن يسمح به القانون يحمل بواسطته شخص شخصا آخر على أن يعمل عمال بدون رضاه، والشخص المكره لا تنعدم إرادته إنما تكون معيبة، ليس كالعنف الذي يؤدي لعدم الإرادة.
 أولا:شروط الإكراه
 لا بد من تحقق ثالثة شروط
 - الشرط الأول: استعمال وسيلة تهديد
 إن كان التهديد باستعمال وسيلة تحدث ألما جسميا أو اضطرابا نفسيا أو خوفا من تعرض النفس أو الشرف أو المال للضرر فهو إكراه حسب ف 47/2 إن لم تنجح الوسيلة في إحداث الرهبة في نفسية الطرف الأخر لا نسميه إكراها فالعبرة ليست بالوسيلة إنما بالأثر الذي تتركه، والتهديد ليس بالضروري منصبا على شخص المتعاقد بل قد يمس طرفا في علاقة الدم معه طبقا للفصل 50 ،كما أن الفصل 49 أكد على أن التهديد قد يكون من شخص آخر غير المتعاقد لكن شرط أن يتم بعلمه أو التواطؤ معه.
 - الشرط الثاني: أن يكون الإكراه هو الدافع إلى التعاقد
 أي لو تركت له حرية الإختيار دون تهديد لما أقدم على التعاقد وهنا يتضح أن الإرادة معيبة وليست حرة مختارة، أما إن كان التعاقد سيقدم عليه بتهديد أو بدونه فإن الإرادة لا تكون معيبة ولا نكون أمام إكراه، وللقاضي سلطة البحث حسب كل قضية وشخصياتها بنص الفصل 47/3.
  - الشرط الثالث: أن يكون الإكراه غير شرعي
يكون الإكراه مشروعا إذا كانت الوسيلة المستعملة من قبل المتعاقد الأخر شرعية وكان الغرض الذي يهدف إلى الوصول له مشروعا؛ ويكون غير مشروع إن كانت الوسيلة غير شرعية لبلوغ غرض مشروع، أو وسيلة غير شرعية لبلوغ غرض غير مشروع، أو استعمال وسيلة مشروعة لبلوغ غرض غير مشروع.
 العيب الرابع: الغبن
 هو عدم التعادل بين ما يأخذه المتعاقد وما يعطيه، ولا يتصور وجوده إلا في عقود المعاوضة غير الإحتمالية أما عقود التبرع حيث العطاء من جانب واحد والعقود الإحتمالية التي يتصور فيها عدم التعادل لا وجود لغبن، والغبن عيب في العقد وليس الإرادة كما اعتبر ذلك الفقه.
 أولا: تطور فكرة الغبن يضيق كلما كان المذهب الفردي مسيطرا ومبدأ سلطان الإرادة، لكنه يكبر ويتسع دوره كلما تغلب المذهب الإشتراكي وتقلص سلطان الإرادة؛ لذا فقد اختلف حسب العصور والمذاهب والأنظمة ولشيوع المذهب الفردي في الرومان فلم يتأثروا به لذا جعل ضيقا لديهم، لكن مع ظهور القانون الكنسي توسعت فكرته، لتتقلص في القانون الفرنسي إبان المذهب الفردي حيث أنه ضيق في التشريع المدني الفرنسي، لكن حاليا مع انتشار المذهب اإلشتراكي اتسعت نظريته لذا اعتبر عيبا في العقد خالفا للإستغلال الذي اعتبر عيبا في الإرادة.
 ثانيا:موقف المشرع المغربي:
حسب ف 55 و 56 أخذ المشرع بالنظرية التقليدية للغبن كالتالي
 - المبدأ العام: أن الغبن المجرد لا يخول طلب إبطال العقد أي الغبن الذي يلحق الراشدين لا يعتد به في التشريع المغربي ولو كان فاحشا بنص الفصل 55 ،وهذا اتفاقا مع الفقه الإسلامي الذي يذهب إلى أن الغبن غير المقترن بالتغرير لا يذهب لحد الفسخ، ولأن الراشد يلزم أن يكون مدركا مطلعا على الأمور وإلا استفاد من ذوي الخبرة قبل الإقدام على التعاقد.
الإستتناء : يخول الغبن طلب ابطال العقد في حالات خاصة
_الحالة الأولى : الغبن المقرون بالتدليس
وهدا بنص الفصل 55 فالتدليس المنتج للغبن يعول عليه لإبطال العقد سواء صدر من المتعاقد المستفيد من الغبن نفسه أو صدر من غيره وبالتواطىء معه، ولهذا سواء كان التدليس دافعا للتعاقد فهو وحده يكفي لطلب الإبطال أما إن زاد عنه الغبن فال مجال للشك في طلب الإبطال، وكذلك التدليس غير الدافع إن اقترن بالغبن نكون أمام حالة خاصة حيث أن الغبن لا يعيب الإرادة وحده وكذلك التدليس غير الدافع لكن إن اجتمعا أجاز المشرع إبطال العقد .
_الحالة الثانية : الغبن الذي يصيب القاصرين وناقصي الأهلية
 أجازه التشريع للغبن المجرد من التدليس لهذه الفئة على وجه الإستثناء حتى ولو كان له نائب شرعي في العقد لكن النص الفصل 56 لم يقرر حكم جوهري إنما أنشأ سبيل احتياطي لأنه من المفروض العقود لهذه الفئة مآلها البطلان أو القابلية لإلبطال سواء تعلق بالعقد المشوب بالغبن أو بغيره.
_ الحالة الثالثة: القيام بالغبن عندما يجري به العمل قضاء وفتوى
الأصل في التشريع المغربي وكذا الفقه المالكي عدم إبطال العقد إلا بخصوص الإستثناءات وفي ق.ل.ع مثال العقارات غير المحفظة، فإن ما رى به العمل قضاء وفتوى قد لا يتفق مع المبدأ العام ويخول الإبطال متى تجاوز حده الثلث، وهذا ما حدث مثال في فاس حيث هناك قضاء وفتوى بخصوص الأمر.
 العيب الخامس: حالة المرض والحالات الأخرى المشابهة
 نص الفصل 54 " أسباب الإبطال المبنية على حالة المرض والحالات الأخرى المشابهة متروكة لتقدير القضاة " وهذا أمر خطير عارضه الفقه لأن النص غامض.
 أولا: المقصود بحالة المرض والحالات الأخرى المشابهة
 1- المقصود بحالة المرض كل مرض عقلي كان أو عضوي من شأنه تقييد حرية المريض وإضعاف قدرته وحمله تحت وطأة الحالة النفسية الموجود عليها لإبرام عقد لم يكن ليرتضيه لو كان في وضعية طبيعية جاز للقاضي إبطال العقد ومنها مرض الموت والمرض الأخير.
 2- المقصود بالحالات الأخرى المشابهة
هي حالات تكون فيها إرادة المتعاقد مقيدة الحرية حيث ما كان ليبرم العقد لو كان سليم ارادة وتوسع فيها الفقه.
 - حالة الحاجة: وهي ضائقة تهدد حياة الإنسان أو صحته أو ماله أو شرفه.
 - حالة الطيش البيِّن والخفة الظاهرة: أي حالة اندفاع خالية من التروي.
 - حالة ضعف الإدراك:أ الحالة التي تضعف معها القدرات العقلية.
 - حالة الهوى الجامح: أي الشهوة الجامحة التي تؤثر على إرادة المرء فتضعفها.
 ثانيا: تكييف الفصل 54 من ق.ل.ع
اختلف فيه الفقه حيث برز اتجاهان
 - الإتجاه الأول: يرفض النص لأن السلطة التقديرية قد تكون خطرة على استقرار المعاملات في هذا الشأن لذا يدعو القضاة للتشدد في تطبيقه.
 - الإتجاة الثاني: يأخذ بالنظرية الحديثة أي يقبل التعامل مع النص بعد تأويله على أنه يعتبر تبنيا للمشرع المغربي لنظرية الغبن الإستغلالي ومن أولهم الأستاذ مأمون الكزبري.
المبحث الثاني: المحل
 خلط الفقه التقليدي بين محل اللإلتزام ومحل العقد
 - محل الإلتزام: هو الأداء الذي يتعهد به المدين لمصلحة الدائن ويكون إما بإعطاء شيء أي إنشاء حق عيني على شيء أو نقله وإما امتناعا عن عمل.
- محل العقد: هو موضوعه أي الأثر القانوني الذي يسعى الأطراف إلى تحقيقه من وراء التعاقد، وهذا الأثر هو إما إنشاء التزام أو
نقله أو تعديله أو إنهائه.
ومحل الإلتزام شرط لوجود محل العقد هذا الخير الذي يأتي إن كان محل العقد مشروعا لذا يهمنا هنا محل الإتزام.
 شروط المحل:
نجد الشروط متضمنة من الفصول 57 إلى 61 كالأتي وإلا كان العقد باطلا
 أولا: أن يكون المحل مشروعا

 أي يجب أن يكون شيئا او حقا أو فعلا يجوز التعامل به حسب الفصل 57؛ فإن كان شيئا أو حقا يجب أن لا  يخرج عن دائرة التعامل بطبيعته كالهواء أو بحكم القانون كالمخدرات وإن كان عملا يجب أن لا يخالف الأداب العامة والنظام العام، ونفس الأمر ينطبق على محل العقد.
 ثانيا: أن يكون المحل معيَّنا
 حسب الفصل 58 يلزم أن يكون محل الإلتزام معينا سواء كان شيئا بتحديده حسب النوع أو الصفة أو الذات حسب الأحوال أو المقدار( أو كان عملا أو امتناعا عن عمل )بتعيين طبيعة هذا العمل وبالتفصيل الممل؛ لكن منع القانون الإتفاقات التي يكون محلها شيئا مستقبلا كالتركة المستقبلة بنص الفصل 61.
ثالثا: أن يكون المحل ممكنا
أي أن يكون المحل ليس بمستحيل وغير ممكن، فغير الممكن مستحيل والمستحيل لا يلزم أحدا.
والإستحالة نوعان:
 - استحالة نسبية: عندما يكون محل الإلتزام مستحيلا بالنسبة للمدين وحده بسبب الظروف التي يوجد فيها وهذه لا تخول الإبطال إنما طلب التعويض.
 - استحالة مطلقة: قد تكون بالنسبة لجميع الناس وليس المدين وحده، أو إذا كانت في نفس الرجل المدين المعتاد بسبب الظروف الخارجية التي يفترض في الدائن معرفتها ويستوي في لإستحالة المطلقة أن  تكون طبيعية كتعهد بتحويل ماء إلى زيت أو قانونية كرفع دعوى مدنية مباشرة لدى محكمة النقض، وهذه تتطلب إبطال العقد.
المبحث الثالث: السبب
 لم يعرفه لا القانون المغربي ولا القانون الفرنسي، لذلك سنرجع إلى الفقه الذي اتسع فيه كثيرا خاصة في فرنسا.
أولا: معنى السبب
 يستعمل في نظرية الإلتزام بمعاني مختلفة:
 1- قد يدل على أصل الشيء أو مصدره أو سببه المنشيء له، فيسمى السبب المنشيء فيقال العقد من أسباب كسب الملكية مثلا ( وهو لا يهمنا في دراستنا) .
 2- يقصد به الغرض المباشر المجرد الذي يقصد المتعاقد الوصول إليه من وراء التزامه فيسمى سبب الإلتزام، مثال يلتزم البائع بنقل ملكية المبيع وغرضه المباشر الحصول على الثمن.
 3- يقصد به الغرض البعيد غير المباشر الدافع للتعاقد أو الباعث الدافع للتعاقد فيسمى سبب العقد، ففي المثال السابق قد يكون الباعث في البيع هو الحصول على الثمن لتسديد دين.
 لذا المفهومان الثاني والثالث يرتبطان بالعقد والإرادة فهما ما يهمنا في دراستنا.
 ثانيا: التطور التاريخي لنظرية السبب  عند الرومان:
 في البداية كانت عندهم عقود شكلية في شكل محدد لا تأخذ بالإرادة لهذا لم يعرف عندهم السبب إلا بعد ظهور العقود الرضائية كالشركة والتي للإرادة فيها دور كبير، توقف السبب عند هذا الحد ليقتصر على تكوين العقد دون أن يتجاوزه للتنفيذ ويوحي هذا أن السبب عندهم كانت فكرة موضوعية لا فكرة ذاتية.
  عند الكنسيين: تناوله فقهاء الكنيسة على أنه الغرض من وراء التعاقد الذي يلزم أن يكون مشروعا فاعتبروا السبب على أنه الباعث النفسي أي نظروا في نفسية المتعاقد لهذا بحثوا عن السبب خارج العقد عكس الرومان الذين بحثوا داخل العقد عن السبب.
في فرنسا قبل صدور القانون المدني: نظر له الفقيه دوما  وأكمل عليه بوتييه حيث اعتبروا السبب فكرة موضوعية واعتباره عنصر داخلي في العقد لذلك ضيقوا السبب عكس الكنسيين وهذا بعد تطوير للقانون المدني على يد دوما ليتم الأخذ بنفس الأمر في إطار النظرية التقليدية ن طرف المشرع الفرنسي.
 ثالثا: النظرية التقليدية في السبب
عرفت النظرية على يد دوما وبوتييه ليتم تطويرها الحقا في القرنين 19 و 20؛ ومفهوم السبب لديها هو السبب القصدي أو الغرض المباشر الذي يقصد الملتزم الوصول له من وراء التزامه التعاقدي، وبصيغة بسيطة هو الجواب عن سؤال لماذا التزم الطرف المتعاقد؟ ؛ وهو سبب واحد غير متغير في النوع الواحد من العقود غير متغير بتغير الشخص المتعاقد لذا سمي السبب الموضوي لذا فهو لا يتغير إلا حسب أنواع العقود.
 1- بالنسبة للعقود الملزمة للجانبين: هنا سبب التزام كل من طرفي العقد هو سبب التزام الطرف الاخر.
 2- بالنسبة للعقود الملزمة لجانب واحد:
 أ - في العقود العينية: السبب هو تسليم المدين الشيء المتعاقد عليه الذي لا ينعقد بدونه، فسبق تسلم الشيء هو بسبب التزام المتعاقد المدين برده.
 ب -في العقود الرضائية الملزمة لجانب واحد: يختلف حسب العقود؛ مثال في الوعد الملزم لجانب واحد كوعد متسبب في حادثة سير بالتعويض فسبب الإتزام هنا هو وجود التزام سابق بالتعويض بالتالي إذا كان الإتزام هو التزام بالوفاء بدين فسبب الإلتزام هو وجود دين سابق.
 ت -في عقود التبرع: باعتبارها نوع من العقود الملزمة لجانب واحد، التقليديون لا يأخذون بتلك البواعث باعتبارها بواعث شخصية متغيرة من شخص لأخر وبالتالي لا يرون السبب إلا في نية المتبرع لأن السبب هنا لا يتسم بالموضوعية والعمومية تطابقا مع نظريتهم التقليدية.
_ نقد نظرية السبب التقليدية: من اهم منتقديها الأستاذ بالنيول حيث يرى أنها :
 غير صحيحة :
 -في العقود الملزمة لجانبين: يرى بأن السبب يسبق المسبب، وهنا لإتزامات الطرفين متقابلة في آن واحد فلا يمكن أن يكون أحدهما سبب للأخر
- في العقود العينية: يقال أن سبب الإلتزام هو سبق تسليم الشيء المتعاقد عليه، مع أن التسلم شرط لنشأة العقد فهو سبب منشيء وليس سببه القصدي لذا وقع الخلط بين السبب المنشيء والسبب القصدي.
 - في عقود التبرع: نية التبرع هي نفسها إرادة التبرع لذا النظرية خلطت السبب بالرضا.
  غير ذات فائدة :
 لأن في العقود الملزمة لجانبين إذا كان أحدهما باطل بطل الأخر؛ وفي العقود الملزمة لجانب واحد فانعدام التسليم هو انعدام للعقد نفسه وليس انعداما للسبب؛ أما في عقود التبرع فتخلف نية التبرع معناه تخلف الرضا وبالتالي عدم قيام العقد بالمرة.
 رابعا: النظرية الحديثة في السبب
على رأس منظريها الأستاذ كابيتان الذي دافع عنها بشدة دون استسلام، بذلك نقول أن النظرية التقليدية كانت قاصرة غير كاملة مما أدى لتكملتها من المشرع الفرنسي، أما السبب في النظرية الحديثة فهو الباعث الدافع إلى التعاقد أي السبب الرئيسي لإبرام العقد وهو ليس واحد في النوع الواحد من العقود بل يتغير ويختلف من متعاقد لأخر، لهذا فالسبب الذاتي هو الدافع للتعاقد والذي سماه بعض الفقه بالسبب الموضوعي؛ فمثال إنسان يريد أن يبيع سيارتهبإستغلال ثمن البيع في تسديد دين فيكون الدين هو السبب.
 خامسا: السبب في قانون الإلتزامات والعقود المغربي
 تناول ق.ل.ع السبب سواء بمفهومه الأول أو الثاني حسب الشروط التي ينبغي توفرها لقيامه كالتالي:
 - الشرط الأول: أن يكون السبب موجودا
 نص الفصل 62 على أنه " الإلتزام الذي لا سبب له ... يعد كأن لم يكن "، وجذير بالذكر أن السبب الموضوعي سبب العقد يوجد في كافة الأحوال إنما يقصد المشرع سبب إلالتزام الموضوعي.
 - الشرط الثاني: أن يكون السبب مشروعا
يكون غير مشروع حسب الفصل 62 إذا كان مخالفا للنظام العام أو القانون أو للأخلاق الحميدة، والتحدث عن مشروعية السبب لا يتوقف عند السبب الموضوعي بل يمتده لسبب الإلتزام ألنه إن بحثنا وتوقفنا عند سبب الإلتزام سنجد كثيرا من الإلتزامات غير المشروعة تبقى صحيحة لذا من الضروري التوقف عند سبب العقد وكونه مشروعا كذلك.
 - الشرط الثالث: أن يكون السبب حقيقيا



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-