القانون التجاري | تعريف القانون التجاري وتحديد نطاقه

القانون التجاري

القانون التجاري

تعريف القانون التجاري وتحديد نطاقه

يتحتم علينا ونحن في رحلة البحث عن تعريف القانون التجاري، أو محاولة القيام بذلك إذ التعريف عملية فكرية صعبة للغاية، مع تحديد نطاقه ومجال تدخله-، الانطلاق من مقتضيات المادة الأولى من مدونة التجارة التي تنص على: "ينظم هذا القانون القواعد المتعلقة بالأعمال التجارية والتجار".

ويظهر من خلال هذه المادة انها عملت على جعل التعريف النطاق الذي جاءت المدونة لتنظيمه لا ينفصل عنه، بل متلازما معه.

وإذا كانت مدونة التجارة قد عمدت إلى تحديد نطاقها، وضمنيا الإحالة إلى تعريف القانون التجاري من خلال ذلك، فإن القانون التجاري لسنة 1913، لم يشتمل على فصل يمائل المادة الأولى من مدونة التجارة، مع أنهما لا يختلفان من حيث المجال الذي ينظمه هذا الفرع من القانون. وبذلك سنلاحظ أنه سواء في قانون 1913 أو مدونة التجارة لسنة 1996، فإن القانون المغربي، وتاثرا منه بالقانون الفرنسي الذي ينهل من المدرسة اللاتينية، يتبنی کاساس نظري لتعريف هذا القانون وتحديد نطاقه ومجال تدخله، النظرية المادية وكذا النظرية الشخصية، دون أن ننسى التوجه الجديد لمشرعنا في تناوله للقانون التجاري، في ظل التحولات البنيوية التي عرفها المجال التشريعي ارتباطا بالمحيط اقتصادي ونمط الإنتاج السائد.

لقد تميز القانون التجاري منذ بداياته الأولى بمحاولات عديدة للتموقع بمسافة واضحة عن القانون المدني، أملا في إيجاد قواعد قانونية مستقلة عن أحكام هذا الأخير، وهو ما بدا واضحا من خلال اعتماد النظرية التقليدية والنظرية والحديثة.

أولا: النظرية التقليدية :

استقر الفقه لعقود طويلة على اعتماد نظرية تقليدية لتمييز العمل التجاري عن العمل المدني في إطار تحديد نطاق القانون التجاري، وذلك عبر اعتماد المعيار الشخصي الذاتي (1) والمعيار الموضوعي (2).

1- المعيار الشخصي:

تعتمد النظرية الشخصية أو الذاتية على التاجر" كاساس محوري د نطاق تدخل القانون التجاری، فلا يخفى أن ميلاد القانون التجاري تأسس على إيجاد قواعد قانونية خاصة بفئة مستضعفة من الناحية الاقتصادية ومقصية من الناحية الاجتماعية، في ظل نظام اقتصادي و اجتماعی إقطاعي. كما شكل في بداياته الأولى تصنيفا اجتماعيا، يقوم على احتقار كل من لا يملك انتماء اقتصاديا و اجتماعيا مرتبطا بالزراعة. وقد تكرس ذلك في القرون الوسطى، في اوربا الإقطاعية حيث عمل التجار والصناع على البحث عن مخرج من ذلك الوضع المتأزم، فانخرطوا في طوائف خاصة بهم، عبر إقرار قواعد خاصة بهم تنظم علاقاتهم، وتحدد شروط الانضمام إليهم؛ كل ذلك في أفق مواجهة صراع طبقي كانت ملامحه واضحة، فجره فكر جديد يبحث عن الانعتاق من هيمنة فكر إقطاعي متحكم ومسيطر.

إن القانون التجاري تبعا لذلك ما هو إلا امتداد طبيعي لقانون التجار الذي بدا في مدن إيطاليا الشمالية في العصور الوسطى، لينتقل بعد ذلك إلى المدن الأوروبية عبر المعارض او الأسواق الدورية التي كانت تجوب هذه المدن. ونتج عن ذلك تشكل التجار في نظام الطوائف، وهو ما دفع لويس الرابع عشر في فرنسا لتنظيم التجارة عام 1673 بمقتضى إقرار أحكام قانون التجار، الذي كانت معالمه بادية وظاهرة في أول مدونة تجارية فرنسية، وهي مدونة نابليون لسنة 1807 .

ويبدو أن القانون المغربي أخذ عن نظيره الفرنسي بالنظرية الشخصية في القانون التجاري، تكريسا للمادة الأولى من مدونة التجارة، حيث نجده قد أقر أحكاما خاصة بالتجار دون غيرهم، يكفي أن نشير إلى الأحكام الخاصة بالتزامات التجار من مسك محاسبة تجارية وتقييد في السجل التجاري، وفتح حساب بنكي، وكذلك الاستفادة من بعض الحقوق دون غيرهم، من بينها تمتيعهم بمزايا نظام معالجة صعوبات المقاولة، وكذلك الاعتراف لهم بالحق في التجديد أو التعويض كما نظم ذلك ظهير 24 ماي 1955 المتعلق بالحق في الإيجار وغيرهما كثير.

ومع أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الإنقاص من قيمة النظرية الشخصية التي يقوم عليها القانون التجاري، إذ تعتبر مدخلا تاريخيا أساسيا وحاسما في ظهور هذا التخصص القانوني، بما شكلته من جرأة قانونية وسياسية واجتماعية، إلا أنها لا يمكن أن تستوعب بمفردها هذا القانون؛ إذ نلاحظ أن هناك العديد من الحكامة تطبق على غير التجار، ولنا في نظام الأوراق التجارية والعقود التجارية

خير دليل، حيث تختص المحاكم التجارية بالبث في النزاعات المرتبطة بذلك، دون أن يتحقق في القائمين بها صفة تاجر، زد على ذلك أن التاجر لا يخضع فقط الأحكام القانون التجاري في الأعمال والأنشطة المرتبطة بأعماله دون غيرها، التي يتساوى فيها مع غير التجار، كمن يقتني سيارة للاستعمال الشخصي أو اكتراء شقة للسكن وما إلى ذلك.

2- المعيار الموضوعي:

تقوم النظرية الموضوعية على اساس الاهتمام بالعمل في حد ذاته بقطع النظر عن الشخص الذي يقوم به، ذلك أن احكام القانون التجاري تطبق على الأعمال التجارية حتى ولو كان القائم بها غير تاجر، بينما تطبق أحكام القانون المدني على الأعمال المدنية، حتى ولو كان القائم بها تاجرا. . وينجم عن الأخذ بهذه النظرية أو هذا المعيار، أن الانتصار إلى طبيعة العمل كونه مدني أو تجاري، يضمن مبدأ المساواة بين المواطنين، ويدفعهم إلى اختيار الإطار القانوني الذي يرتضونه لتأطير اعمالهم.

ويلاحظ أن القانون المغربي من خلال مدونة التجارة يبدو متأثرا كذلك بالنظرية الموضوعية، سواء من خلال المادة الأولى التي أشارت إلى أن القانون التجاري يطبق بالإضافة على التجار، ينظم المعاملات التجارية؛ أو من خلال تفصيل الحديث والأحكام عن الأعمال التجارية، سواء من خلال محاولة رصد مجملها وأنواعها، حيث نجد هناك الأعمال التجارية بطبيعتها والتي تناولتها المواد 6 و 7 و8 وهي التي تعرف بالأنشطة التجارية، وكذلك الأعمال التجارية الشكلية من خلال الكمبيالة والسند لأمر في حدود معينة، طبقا للمادة 9 من المدونة | وكذلك الشركات التجارية المنظمة طبقا للقانون 17

. 95 و 5 . 96. وينضاف إلى ذلك الأعمال التجارية التبعية، التي تجعل العمل المدني يفقد هذه الصفة ليتلون بالطبيعة التجارية حالة توفر شروط ذلك طبقا للمادة 10 من مدونة التجارة.

وعلى ما يبدو فإن هذا المعيار لم يسلم بدوره من النقد، إذ يلاحظ أنه لا يكفي بمفرده لتحديد نطاق تطبيق القانون التجاري، فمن جهة أولى تطفو على السطح صعوبة وضع معايير دقيقة لتحديد العمل التجاري وتمييزه عن العمل المدني. فبإجراء مقارنة بسيطة بين القانون التجاري المغربي لسنة 1913 اومدونة التجارة لسنة 1996، سنلاحظ أنه وفيما يخص الأعمال التجارية بطبيعتها، عرفت توسعا كبيرا، بلغ عددها من خلال المادة السادسة من المدونة 18 نشاطا، ثم إن المادة الثامنة من المدونة أقرت بصعوبة وضع لائحة حصرية لما يمكن أن يعتبر نشاطا تجاريا، فنصت على أنه: "... لكل نشاط يمكن أن يماثل الأنشطة الواردة في المادتين 6 و 7".

ومن جهة ثانية، فإن بعض الأعمال التي تعتبر تجارية من قبيل الشراء بنية إعادة البيع، فقد يأتيها الشخص غير التاجر، وتعتبر بالنسبة إليه عملا مدنيا، فقد ياتي التاجر كذلك بعض الأعمال المدنية، فتتحول إلى عمل تجاري، كما هو الحال بالنسبة لأعمال التجارية التبعية، حيث يظهر أن صفة القائم بالعمل تؤثر على طبيعته القانونية.

وصفوة القول أن مدونة التجارة من خلال المادة الأولى استحضرت صعوبة الأخذ بالمعيار الشخصي بمفرده، أو كذلك بمجرد المعيار الموضوعي،

فنجدها قد اعتمدتهما بشكل متوازي. فالمعيار الشخصي أصبح بمفرده متجاوزا كماان المعيار الموضوعي لمفرده لا يستحضر خصوصيات القانون التجاري.

ثانيا: النظرية الحديثة

يبدو أنه أصبح من المتجاوز الحديث في الوقت الراهن عن محددات القانون | التجاري لتمييزه عن القانون المدني، مع ما يقتضيه ذلك من جهد فكري وعناء في

البرهنة على مدى استقلالهما أو تبعية أحدهما للآخر، بالأخص تبعية التجاري المدني من منطلق أن الثاني هو الأصل والشريعة العامة، وأن الأول مجرد قانون مستحدث ليس له من مقومات القانون سوى التسمية، وإنما هو في واقع الأمر استثناء ضيق من القانون المدني.

إن مجمل التحولات التي عرفها النظام الاقتصاد العالمي كان لها بالغ الأثر على الحركية التي ميزت وتميز القانون التجاري؛ وهو ما يبدو جليا في الدينامية التشريعية التي عرفها المغرب وقبله وبعده العديد، بل جل التشريعات، حيث ظهر واضحا المنحى الجديد الذي بدأ يميز هذا القانون. لقد تم الانتقال من الحديث عن قانون التجار والأعمال التجارية إلى الاهتمام والتاطير للمقاولة « Entreprise»، كمحور وأساس للتدخلات التشريعية.

ويتعين تلمس هذا التحول سواء من داخل مدونة التجارة أو من خارجها. فمن جهة أولى حفلت مدونة التجارة بالعديد من المؤشرات المباشرة وغير المباشرة لتبني المقاولة كمحدد ومعيار لتطبيق أحكام القانون التجاري، فإذا كان الكتاب الخامس منها المعنون "بمعالجة صعوبات المقاولة"، حيث يبدو استعمال مفهوم المقاولة بشكل صريح وواضح، فإن الكتاب الأول تحدث ونظم "الأنشطة التجارية"، بدل ما كان يعرف في ظل القانون التجاري سنة 1913 "بالأعمال التجارية"، فلم يعد ينظر إلى العمل التجاري المنفرد والمنعزل، والذي قد يتم ولو لمرة واحدة؛ بل إلى النشاط التجاري المتسم بالتعدد والكثرة، إذ لا نتصور ذلك إلا من خلال المقاولة، وهو ما يظهر في المواد 6 و 7 و 8 م ت.

ومن جهة ثانية هيمنت فكرة ومعيار المقاولة على القانون المغربي من خارج مدونة التجارة، فنجد مثلا قانون 5.96 المتعلق بالشركات التجارية يتحدث في المادة 44 منه من شركة الشريك الوحيد ذات المسؤولية المحدودة والتي تعتبر مقاولة فردية بلباس قانوني .

القد شكلت مدونة التجارة لسنة 1996 القطيعة مع ماضي القانون التجاري القديم، بمفاهيم جديدة ورؤى أكثر شساعة، تتمحور حول "المقاولة" كمخاطب باحكام القانون، وهدف من وراء التحولات التشريعية، بل لقد أصبحت في قلب الاهتمامات التشريعية، يتقاطع حولها ما هو قانوني صرف- بالمفهوم الضيقوما هو جنائي وضريبي وإداري ومسطري، لدرجة أنه أصبح من الممكن الزعم ان تصنيف القانون التجاري ضمن تفريعات القانون الخاص أمرا غير مؤكد. لقد اصبح القانون التجاري يتوسط على هذا الأساس جزءا كبيرا من القانون الخاص، وكذلك لم يعد بعيدا عن القانون العام، خاصة إذا نظرنا إليه من زاوية المفهوم الموسع له، أي ما يتجاوز مدونة التجارة من حيث إقحام الأحكام الخاصة بالشركات التجارية وغيرها من القواعد ذات الصبغة التجارية، من قبيل الأحكام الخاصة بالمحاكم التجارية والقانون البنكي وقانون البورصة والقانون الجنائي للأعمال. لذلك فإن محاولة تعريف القانون التجاري اضحت متجاوزة إذا نظرنا إليها من خلال مجرد المادة الأولى من مدونة التجارة التي تؤطر كل ما له علاقة بالتاجر والأعمال التجارية، إن "القانون التجاري" كتسمية أصبح متجاوزا، إذ نتحدث عن قانون الأعمال" أو القانون المقاولة"، بل يجب أن نتحدث عن القانون الاقتصادي"، الذي يتولى تنظيم كل ما له علاقة بالمقاولة

خاصة أمام تدخل القانون بقواعد آمرة تروم مباشرة التنظيم والتسيير والمواكبة المال المقاولة، باعتبارها الخلية الصلبة للمجتمع والضامنة لاستقراره وازدهاره، بل أضحى بقاء الدولة في مفهومها الحديث مشروطا بمدى قدرة مقاولاتها الاقتصادية للعيش والمنافسة، زد على ذلك أن واقع العلاقات الدولية أصبح يتحدد وفق المصالح الاقتصادية التي تمثلها المقاولات.

إن محاولة تعريف القانون التجاري تضعنا أمام التعريف الكلاسيكي المتجاوز الذي يجعله في مصاف القواعد القانونية المنتمية للقانون الخاص، أما التعريف الحديث الذي لا يمكن تجاوزه تجعل منه قانونا للأعمال أو المقاولة،

يتميز بصعوبة تصنيفه ضمن التفريعات الكلاسيكية التي أقرتها المدرسة اللاتينية، فهر قانون متعدد التخصصاته

إن القانون التجاري في وضعه الحالي وكما كان عليه منذ ظهوره، لا يعني كل الظواهر الاقتصادية، بل يقتصر مجال تدخله على التجارة فقط. لكن ماذا نقصد بالتجارة في مدلول هذا القانون؟

إذا كان هذا القانون لا يهم كل مجالات العمل الاقتصادي، فإنه في نفس الآن أوسع نطاقا من التجارة في مفهومها الضيق أو المتداول. إن قواعد القانون التجاري لا تشمل فقط الأنشطة أو الأعمال التجارية الصرفة أي التوزيع بما يعنيه، الشراء وإعادة البيع، بل تضم جميع الأنشطة والأعمال المتعلقة بالإنتاج الصناعي و غيره وكذلك الأنشطة المتعلقة بالخدمات کالأبناك والتأمين...

إن مصطلح التجارة طبقا للقانون التجاري مختلف عن ذات المصطلح في علم الاقتصاد، إذ يقصد به في الثانية عمليات الوساطة بين المنتج والمستهلك، أما في الأولى فهو أوسع نطاقا، إذ يشمل التجارة بالمفهوم الاقتصادي، وكذلك كل عمل لتحويل المواد الأولية إلى سلع قابلة للاستهلاك. لذلك تعتبر الصناعة جزءا او فرعا من التجارة في المدلول القانوني، فنقول بان الصانع (صاحب مصنع) تاجر من الناحية القانونية، وما قيل عن الصانع والصناعة يقال عن أعمال وأنشطة الخدمات، فالسمسار يقدم خدمة، ويعتبر في المدلول القانوني تاجرا ونشاطه يعتبر تجاريا. إن القانون التجاري حين يطبق على فئة التجار، كما نصت على تلك المادة الأولى من مدونة التجارة، فإن ذلك يعني أولئك الذين تتوفر فيهم هذه الصفة طبقا للشروط التي وضعها القانون التجاري. هكذا فحين نشير إلى التاجر طبقا لهذا القانون فإننا نتحدث عن الصفة وليست المهنة، فالقانون التجاري بذلك لا يطبق على مين بل على صفة في الشخص القائم بالمهنة، "إن التجار بذلك يتوحدون في الصفة وقد يختلفون في المهنة" 

مواضيع ذات صلة :

مواضيع قد تهمك :

الإدارة الإلكترونية ومبادئ الحكامة الجيدة PDF

الجرائم المعلوماتية في القانون المغربي

 مصادر الالتزام الإرادية:نظرية العقد (الفرع الأول)

 مصادر الالتزام الإرادية:نظرية العقد (الفرع الثاني)

مستجدات قانون المسطرة المدنية في مجال التبليغ

مستجدات قانون المسطرة المدنية في مجال التنفيذ




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-