خصائص القانون التجاري

 القانون التجاري

القانون التجاري

خصائص القانون التجاري

إن البحث عن خصوصيات القانون التجاري، تهدف إلى تأكيد الاستقلالية والانفراد الذي يميزه عن القانون المدني، والذي يتماشى مع بيئة المعاملات التجارية. كما يعني ذلك أن أحكام قانون التجاري تسري على معاملات مالية معينة، إذ لا يطبق على كل الأعمال المالية، كما أن احكامه تطبق فقط على التجار كفئة محددة من الأشخاص، وهو ما استوجب إيجاد قواعد تتلاءم مع طبيعة هذا القانون من سرعة وائتمان ومرونة وإعلام وحركية.

أولا: السرعة

تتسم الأعمال التي يقوم بها التاجر بالتلاحق والكثرة، الشيء الذي يفرض السرعة في إنجاز هذه الأعمال. إن التاجر لا يتوقف عن إبرام الصفقات، فهو إن اشتری فمن أجل إعادة البيع، كما أن الصفقات التجارية تتميز دائما بالسرعة إما التقلبات الأسعار أو لطبيعة الأموال المتداولة من حيث تعرضها مثلا للقدم والتلف۔ وهذا عكس ما هو عليه الحال في المجال المدني المتسم بالبطء والنذرة فيما يخص المعاملات التي ينظمها، حيث إن قيام الشخص بشراء شقة للسكن لا تتم إلا المرات معدودات إن لم نقل مرة واحدة، وإن اقتناءه للبضائع يتم الاستهلاكها وليس لإعادة بيعها.

إن السرعة التي تميز المعاملات التجارية كان لا بد للقانون التجاري من و تنها، بل وحمايتها سواء تعلق الأمر بتيسير تداول الحقوق التجارية وكذلك السرعة في اقتضاء الحقوق وتبسيط الإجراءات وتفعيل آليات تنفيذ الأحكام الصادرة في المواد التجارية. 10

فتم الاهتداء إلى ما يعرف بمبدأ "حرية الإثبات في المجال التجاري بعيدا عن تعقيدات القانون المدني. إن اعتماد حرية الإثبات يعتبر وسيلة فعالة لتسهيل سرعة البيت في القضايا التجارية. وقد أكدت المدونة التجارية هذا المبدأ في المادة 334 : " تخضع المادة التجارية لحرية الإثبات. غير أنه يتعين الإثبات بالكتابة إذا نص القانون أو الاتفاق على ذلك".

إن التصرفات التجارية يمكن إثباتها بكافة وسائل الإثبات من قرائن وفواتير شهود... ما لم يتطلب القانون أو الأطراف في اتفاقهم خلاف ذلك. إن هذا الميدا اهو الذي يشجع على إنجاز الصفقات إما مشافهة أو عبر الهاتف الفاكس او الأنترنيت، بعيدا عن تعقيدات القانون المدني، الذي يتطلب الإثبات بالكتابة كلما تجاوز موضوع التعاقد عشرة آلاف درهم، حيث لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود،.

ولم يكن بالإمكان خلق مدونة التجارة وما سبقها ولحقها من قوانین ، تسير في اتجاه خدمة السرعة والخصائص الأخرى للقانون التجاري، دون خلق إطار قضائي يتماشى ويستجيب لمضمون هذه القوانين، فكان أن تم إصدار ظهير رقم 1 - 97 - 65 المؤرخ فبراير 1997، القاضي بخلق محاكم تجارية.

وإذا كان المجال على الأقل- منهجيا لا يسمح بالتوسع في الحديث عن هذا النوع من المحاكم، فإن ما تنبغي الإشارة إليه انها - المحاكم- تتكون من درجتين اثنتين، محاكم تجارية واستئنافية تجارية، تتكون من قضاة معينين، مقبولين في سلك القضاة، وهذا عكس القانون الفرنسي الذي سمح باعتماد قضاة موظفين وآخرين منتخبين، وهو النظام الذي أبان عن قصوره وفشله.

كما تتوفر هذه المحكمة ولأول مرة على قاضي خاص بالتنفيذ، وتكون المسطرة أمام هذه المحاكم كتابية تستدعي بالضرورة التمثيل عن طريق محامي.


وقد حددت المادة الخامسة من الظهير المحدث لهذه المحاكم وعلى وجه مصر ، حالات الاختصاص النوعي لها، فهي تختص بالنظر في:

أ- الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية؛ 

ب- الدعاوى التي تنشأ بين التجار والمتعلقة بأعمالهم التجارية؛

ت- الدعاوى المتعلقة ب الأعمال التجارية؛ 

ث- النزاعات الناشئة بين شركاء في شركة تجارية؛ 

ج- النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية؛

وينعقد الاختصاص القيمي لهذه المحكمة طبقا لمادة السادسة من قانون 0218 المتعلق بتتميم القانون رقم 95-53 إذا تجاوزت الطلبات المحددة مبلغ 20000 درهم، بعد أن كان هذا الاختصاص يتحدد فقط في حدود 9000 درهم، وذلك للتخفيف من جهة عن بعض المحاكم التجارية التي تعرف قضايا عديدة كحالة تجارية البيضاء، ومن جهة أخرى للرأفة بالمتقاضين الذين لا توجد بالقرب امنهم محكمة تجارية، حيث يرفعون دعواهم في هذا الحالات أمام المحكمة الابتدائية.

ويملك المتعاملون حق اعتماد التحكيم التجاري بدلا من اللجوء إلى القضاء من خلا قيامهم بتعيين محكم أو محكمين 12، وفي ذلك تحقيق للسرعة وتوفير للوقت الذي تستغرقه الإجراءات المسطرية العادية او باقي الوسائل الأخرى لفض المنازعات من صلح و وساطة .

ولا يمكن الانتهاء من خاصية السرعة دون الإشارة إلى أن المشرع خص الميدان التجاري بمدد تقادم قصيرة بالمقارنة مع التقادم في المجال المدني المتي بطول المدة. فقد أقرت مدونة التجارة من خلال المادة الخامسة ما يلي: تتقادی التزامات الناشئة بمناسبة عمل تجاري بين التجار أو بينهم وبين غير التجار، ابمضي خمس سنوات، ما لم توجد مقتضيات خاصة مخالفة". كما أخضع المشرع بعض الالتزامات التجارية لمدة قصيرة، كالالتزامات المصرفية التي قد تصل في بعض الحالات لستة أشهر حسب الفقرة الثالثة من المادة 228 م ت.

ثانيا: الائتمان

إن السرعة التي يعرفها الميدان التجاري لم تكن لتتحقق لولا الثقة التي تسود بين التجار. أي أن جل العمليات التجارية تتم بأجل- أي تأجيل الوفاء-، وهذا يفسر وضعية التاجر التي تجعله دائما في وضعية دائن ومدين. إن التجار يكونون دائما مرتبطين بروابط متتابعة يحكمها ما يصطلح عليه بالائتمان، القلب النابض للتجارة. إن الائتمان بهذا المدلول يعني الثقة المدعمة في الحصول على الأموال المقترضة والسلع المؤجل دفع ثمنها، وهو بذلك أحد أهم دعامات النشاط التجاري وبدونه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستمر هذا النشاط أو يزدهر.


ان حديثنا عن الثقة في المجال التجاري، لا يجب أن يفهم على اساس الثقة المجانية. فالتاجر إنما يقبل تأجيل الحصول على مقابل ما قدمه حين يكون متأكدا من أنه سيستوفي دينه حسب الاتفاق المبرم.

ونلاحظ في هذا الإطار أن القانون التجاري المغربي جاه بالعديد من المقتضيات القانونية التي تكفل حماية وضمان الثقة بين التجار، من قبيل مؤسسة التسوية والتصفية الجماعية الأموال المدين المتوقف عن أداء ديونه، ومؤسسة التضامن المفترض بين المدينين في الميدان التجاري، حيث نصت المادة 335 من موت:" يفترض التضامن في الالتزامات التجارية..." إذ يكون التضامن في الدين التجاري مفترضا دونما الحاجة إلى نص صريح لذلك أو الاتفاق عليه. كما يعتبر نظام الأوراق التجارية الكمبيالة والسند الأمر والشيك- مجالا خصبا يعكس ويكرس مبدا حماية الائتمان التجاري لفائدة الحامل الشرعي للورقة التجارية في مواجهة الموقعين عليها من ساحب ومظهرين وضامنين ومسحوب عليه قابل.

هكذا نلاحظ أن في حماية وضمان الائتمان وتدعيمه، حماية وضمان الاستمرار النشاط التجاري. إن الثقة المدعمة - الائتمان - هي القلب النابض التجارة، وأن كل تهديد للائتمان الذي يؤطر العلاقة بين التجار هو ضرب في الصميم للنشاط التجاري وإعلان صريح عن توقفه وافولة.


ثالثا: المرونة

ان ارتكاز القانون التجاري على السرعة المدعمة بالائتمان والبعيدة عن الشكليات التي تعيق التداول السريع للثروات، لا يتعارض مع الحضور الصارم المجموعة من المقتضيات الشكلية التي يقرها هذا القانون.

إنه ربرجوعنا إلى القانون التجاري، نجده يشترط الكثير من الشكليات في مجالات عدة، منها ما يتعلق مثلا بالأوراق التجارية أو العمليات المنصبة على الأصول التجارية أو ما تعلق بالشركات التجارية وغيرها كثير.

إن تزايد الشكليات في العمليات التجارية لا يتناقض مع حرية الإثبات والتداول السريع للثروات المميز للميدان التجاري. إن هذه القواعد الشكلية تهدف إلى حماية أوضاع ومصالح معينة مهددة، لذلك أوجد المشرع لحمايتها جملة من الإجراءات. فحين اشترط المشرع مجموعة من الإجراءات عندما نفوت أصلا تجاريا، فإن هذه الشروط تهدف إلى حماية الأشخاص الذين تتهدد مصالحهم عند غياب مثل هذه الإجراءات، و لا تأثير لذلك على السرعة وعلى عملية تفويت الأصول التجارية.

إن غياب الجانب الشكلي في الكثير من العمليات التجارية، كان سيؤدي حتما وبالضرورة إلى الفوضى، ويعني ذلك اندثار العمليات التجارية، عصب الاقتصاد، ا لذلك نعتبر أن المرونة تستدعي الشكليات الحماية العمليات التجارية، وتتمثل الشكليات التي يوجبها القانون التجاري إما في كتابة وشهر بعض التصرفات (الأصل التجاري مثلا، تأسيس الشركات التجارية...)، أو في الامتثال بالتقيد شكلية معينة كما هو الحال بالنسبة للأوراق التجارية أو بعض العقود النموذجية.

رابعا: الإعلام

يقوم القانون التجاري على خاصية الإعلام والإشهار، ذلك أن تداخل المصالح بين أطراف متعددة اقتضت إيجاد نظام إعلامي وإشهاري لحماية هذه الأوضاع والمصالح، ويعتمد القانون التجاري لتحقيق هذا الدور الإعلامي الإشهاري على وسائل فعالة، نخص بالذكر منها نظام السجل التجاري وجرائد الإعلانات والجريدة الرسمية التي تتولى دور الإعلام والاخبار الذي يعرفه النشاط التجاري. إن ترك عالم التجارة بدون إشهار وإعلام يحرم المتعاملين في هذا الحقل امن الشفافية والطمأنينة المطلوبة صونا لحقوقهم.

لذلك يلعب الإعلام أو الإشهار في المادة التجارية دور المطمئن لأصحاب الحقوق، وأمانا على حقوقهم في مواجهة مدينهم الذي قد يأتي بعض التصرفات القانونية التي تضر مصالحهم وتؤثر سلبا على قدرتهم على استرداد أموالهم لو تمت خلسة منهم، كما هو عليه الحال بالنسبة للعمليات الواردة على الأصل التجاري دون إخبارهم، يؤدي إلى تقليل فرص حصولهم على ديونهم من مدينهم، الفنجد القانون التجاري قد أوجد العديد من الآليات الإشهارية غاية في الأهمية الهدف منها إعلام هؤلاء حتى يمكنهم اقتضاء حقوقهم.


خامسا: الحركية

يعتبر القانون التجاري من فروع القانون التي تتميز بخاصية الحركية افقواعده مستمرة التحولات دائمة التطور، يحكمها ويوجهها المحيط والنمط الاقتصادي السائد، المتسم هو بدوره بالتغيرات المتلاحقة

لقد ظل القانون التجاري منذ بداياته وفيا لهذه الخاصية، والتي تعتبر بحق ضامن استمراره وتفرده عن الكثير من التفريعات القانونية الأخرى.

وتملت هذه الحركية في مدونة التجارة المغربية عبر تبني المشرع نظام معالجة صعوبات المقاولة بدل نظام الإفلاس. كما أن نطاق تطبيق القانون التجاري عرف توسعا ملحوظا، حيث شمل الأنشطة الحرفية والعمليات العقارية والصناعات الاستخراجية، والتي ظلت و إلى عهد قريب - قبل سنة 1996أعمالا مدنية. إن هذه التجديدات هي انعكاس لخاصية الحركية التي تميز القانون التجاري.

ويعتبر الكتاب الخامس من المدونة المتعلقة بمعالجة صعوبات المقاولة النموذج الحي الحركية القانون التجاري، حيث أن مقتضيات هذا الكتاب وفلسفته جات لتكسر الثوابت التي قام عليها القانون التجاري منذ عهد الرومان المعتمد على نظام الإفلاس .


ان هذه المقتضيات جاءت لتقنن المقاولة التي تعرف صعوبات مالية أو م ادية أو اجتماعية بالنسبة للتجار الذين توقفوا عن أداء ديونهم من خلال التسوية القضائية وإلا يتم اعتماد التصفية القضائية

لقد كان نظام الإفلاس يتميز بطابعه العقابي کسيف يسلط على رقبة التاجر المدين الذي توقف عن أداء ديونه، وجاء نظام المعالجة ليقوي مركز التاجر عبر | مقاولته من خلال تصفية خصومه وضمان استمرارها.

الان في ضمان استمرار نشاط المقاولة ضمان لمناصب الشغل، وحفاظ على وتيرة إنتاجية مستقرة، وهذا يوضح حركية هذا القانون واستجابته للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تحكمه وتواكبه.

إن خاصية الحركية والتطور التي ميزت القانون التجاري عبر العصور، والتي تكرست بشكل أوضح مع نهاية النصف الثاني من القرن العشرين، أماطت اللثام عن الشك الذي كان يحول حول استقلاليته عن القانون المدني، بأن أضحى قانونا مستقلا، بل وانتقل من قانون التجار إلى أن أصبحت قواعده وأحكامه تمس أكثر فأكثر عموم المواطنين ولو لم يكونوا تجارا، ولنا في نظام الأوراق التجارية، خاصة التعامل بالشيك خير دليل، وكذا المعاملات البنكية، إذ وصل الأمر بالتطور الذي عرفه هذا القانون أن قرر المشرع في قانون 05-20 المعدل والمتمم القانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة أن تم تخفيض القيمة الاسمية للاسهم تبلغ قيمة 10 دراهم حتى يتسنى لجمهور الناس الانضمام إلى هذه الشركات.

مواضيع ذات صلة : 

القانون التجاري | تعريف القانون التجاري وتحديد نطاقه

مستجدات صعوبة المقاولة PDF 

عقود العمل في إطار مساطر صعوبات المقاولة 

صعوبات المقاولة مستجدات مسطرة التسوية القضائية

المراجع المعتمدة :

ذ عبد الرحيم شميعة : القانون التجاري الأساسي .

احمد حسن عباس: الوجيز في النظرية العامة للقانون التجاري، القاهرة.

 مصطفی کمال طه، الوجيز في القانون التجارية الجزء الأول، منشاة المعارف، الإسكندرية.





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-